عاليًا أخذ نشيد المارسييز يتردد في فرنسا في أعقاب تفجيرات باريس الإرهابية الأخيرة، ثم انتشرت نداءات الثأر و"العين بالعين والسن بالسن" وتحركت حاملة الطائرات الفرنسية تشارلز ديغول إلى الشواطئ السورية، وازدادت موجة العداء للإسلام والمسلمين وصاروا يأخذون البريء بجريرة القاتل. كما أخذ الأضداد يتحالفون لشن الحرب ضد تنظيم داعش في سورية والعراق، بينما استغل كثيرون ما حدث في باريس لملاحقة المهاجرين الهاربين من الموت إلى أميركا وأوروبا، ولتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، كما يحدث مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل. في خضم هذه الأحداث، تبدو فرنسا أكثر حماسًا لخوض الحرب وقد وجدت في خطايا "داعش" فرصتها لاستعراض قوتها العسكرية بدعوى الثأر لدماء المدنيين الذين سقطوا في هجمات باريس الأخيرة. روسيا، التي فقدت مدنيين أكثر في تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، تبدو سعيدة بالتدخل الفرنسي لأنه سيخفف عنها أعباء تكلفة الحرب التي تخوضها بدعوى محاربة الإرهاب وهي في الحقيقة حرب لحماية نظام عائلة الأسد وحماية مصالحها في المقام الأول وملء الفراغ الناجم عن تخبط السياسات الأميركية وحلف الناتو فيما يتعلق بالعراق وسورية. ولأن دم الضحايا لم يجف بعد، فإن المحللين لايزالون مترددين في تلمس الأسباب الحقيقية لهجمات باريس، لكن بعضهم تحلى بالشجاعة ليلقي اللوم على أجهزة الاستخبارات في فرنسا التي لم تتخذ إجراءات استباقية لإحباط هجمات باريس، كما أثاروا علامات استفهام كثيرة تتعلق بملفات الإرهابيين وتحركاتهم. فهل هناك من يريد توريط فرنسا في الحرب السورية، أم أن هناك أطرافًا تطمح إلى إعادة الأمجاد الفرنسية الغابرة؟ ولماذا تتصرف فرنسا لوحدها من دون حلف الناتو، ولماذا ثعلب أوروبا بريطانيا يلتزم الحذر ويكتفي بالتصريحات وإسداء النصائح؟ نحن بلا شك مع مقاتلة هذا التنظيم الإرهابي الذي أخذ يتغنى بقتل أحد الرهبان البوذيين في جبال بنغلاديش. إن العودة إلى عزف النشيد الوطني الفرنسي-المارينز- بقوة تغذي روح الحرب التي ضلت طريقها فهذا النشيد كُتب بعد إعلان فرنسا الحرب على النمسا في العام 1792 وفي زمن كانت تمر فيه فرنسا بمرحلة دقيقة حيث الثورة الداخلية من أجل الحرية والعلمانية والقتال ضد استبداد الكنيسة والملكية المطلقة من أجل تأسيس الجمهورية، ومحاربة الأعداء والغزو الخارجي وخصوصاً بريطانيا التي عملت ما بوسعها لإفشال الثورة الفرنسية التي كانت تنادي بالحرية والعدالة والمساواة. لو كانت حرب المصالح المتاجرة بدماء الأبرياء ستؤدي إلى القضاء على هذا التنظيم المتاجر هو الآخر بالدين الذي شوّهه والذي يجمع زعماؤه ثروات من تهريب النفط، لكنا أول المرحبين بهذه الحرب لكن ما يخيفنا هو أن الغارات الروسية ثم الفرنسية وغارات النظام السوري والغارات التي تشنها ميليشيات حزب الله ويقودها جنرالات "الحرس الثوري الإيراني" الذين يتساقطون على الأرض السورية كل يوم تؤدي إلى قتل المئات من المدنيين السوريين. لقد كانت المملكة من أول الداعين إلى محاربة الإرهاب والقضاء على أسبابه والتوقف عن السياسات التي تؤدي إلى تغذيته، سواء في الولايات المتحدة أو فرنسا، لكن يبدو أن الدول الغربية، استمرأت عدم الاستماع لنصيحة العقلاء، كما يبدو أنها مصممة على نشر المزيد من الفوضى، كما تريد "داعش" وعلى تدمير المنطقة وتفتيتها وإعادة استعمارها.