بلجيكا بعد فرنسا. تكتسب رمزيتها الأوروبية من اعتماد بروكسل العاصمة مقراً للمفوضية والعلم الأوروبي الموحد. أي عملياً مقر الحكومة الأوروبية. وتستضيف فرنسا في ستراسبورغ مقر البرلمان الأوروبي. وصل عصف الإرهاب إلى بروكسل والضواحي البلجيكية. بينما تحتضن فرنكفورت الألمانية المصرف المركزي الأوروبي، الركن الثالث الذي اعتقد يوماً أنه اللاّزمة لبناء أوروبا الموحدة. كل أوروبا مستنفرة الآن. وأعمال الاقتصاد في بيئة كهذه كقبض الريح. بات إنذار كاذب كافياً لغلق كل البلد ،منتجيه ومستهلكيه. وللإيعاز إلى السكان ملازمة منازلهم وعدم الإطلالة من النوافذ على ما أوعزت به بيانات الشرطة في بروكسل إلى سكانها الأحد الماضي. العصف حطّ أيضا هواجس في المصرف المركزي الأوروبي. الأنظار التي توجهت إلى 3 ديسمبر/ كانون الأول المقبل لإعلان المصرف التخفيف من برنامج التيسير الكمي من نحو تريليون يورو الذي اعتمده لشراء أصول بواقع 60 مليار يورو شهرياً حتى سبتمبر /أيلول 2016 وزيادة الفائدة. كلام رئيس المصرف ماريو دراغي في ضوء التطورات الأخيرة في باريس وبروكسل رفعت منسوب الغموض والضبابية حيال السياسة النقدية للمصرف في الشهور المقبلة. وقد كان دراغي في الأساس يكابد الضغوط من مساعديه الأوروبيين لما يعتقده سياسة نقدية فضلى، فيما يعتقد مساعدوه العكس. ولهذا أيضا نتائجه على الاقتصاد الأوروبي في مدة استثنائية. بحسب وكالة يورو ستات نما الاقتصاد الفرنسي 0.3 في المئة في الربع الثالث 2015 من 0.5 في المئة في الربع الثاني. ألمانيا 0.3 في المئة في مقابل 0.4 الربع الثاني. إيطاليا 0.2 في المئة. هولندا 0.1 في المئة ونمو بلجيكا بالنسبة نفسها. فنلندا تراجع أكبر من المتوقع بواقع 0.6 في المئة. ولا نمو في البرتغال. بينما اليونان التي سجلت 0.4 في المئة نموا في الربع الثاني تنوء من جديد تحت 0.5 في المئة نموا سالبا في الربع الثالث. مع ذلك، فيوروستات وعلى غير العادة، لم تسند أرقام النمو الزهيدة في اقتصادات اليورو الثلاثة الكبرى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى المنشأ القطاعي. فيما عزاها اقتصاديون أوروبيون إلى التحسن في نفقات الأسر والقطاع الاستهلاكي بعد تحسن طفيف في الوظائف وفي الدخل القابل للتصرف. الأرقام كانت قبل تطورات باريس وبروكسل التي جاءت ضربة قاسية لقطاع الاستهلاك المتبقي مصدراً أساسياً لدفع النمو في أوّج فصل الطلب الاستهلاكي قبل الميلاد ورأس السنة الميلادية، كما أشرنا في مقالة سابقة بعد أحداث باريس. وبذلك، تفتقد اقتصادات اليورو وأوروبا محرك الدفع الأساسي للنمو ولو على تباطؤ. كما تفتقد اقتصادات أوروبية أخرى سجلت نموا سالبا جدار الصّد الذي حال دون تراجعها على نحو أكبر. بحر الشمال لا يبعد كثيرا. المملكة المتحدة التي بدت أنها في طور الخروج من الأزمة مرشحة لتفاعل روابطها الهشة بالاتحاد الأوروبي. تطورات جيرانها غير معزولة عن وقع اقتصادها. لن تتخلى عن مركزها القوي في القارة ومشمولة بالتهديدات. وبدأت في تسريع النفقات المقررة للأمن في موازنتها قبل نهاية السنة المالية في نيسان/ أبريل 2016. وحين بلوغها يرجح أن تكون بدأت الإنفاق بمزيد من العجز. مكتب الموازنة كان توقع 69.5 مليار استرليني لكل السنة المالية. حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2015 كان العجز بلغ 54.3 مليار استرليني ليبلغ الدين العام 1.5 تريليون استرليني قرابة 80.5 في المئة من الناتج المحلي. ويتوقع أن ترفع الحكومة توقعات العجز من جديد. تراجع النمو في الربع الثالث 2015 إلى 0.5 في المئة في مقابل 0.7 في الربع الثاني، وتراجع قطاع البناء 2 في المئة يستبعد معهما إقدام مصرف إنجلترا على رفع الفائدة من 0.5 في المئة قبل الربع الأول من 2016. وكان الاقتصاد احتفظ باتجاه النمو أحد عشراً شهراً توالياً ما خفض البطالة إلى 5.3 في المئة. ما يثير قلق حكومة المحافظين، أن معظم الوظائف المستحدثة في سوق العمل في الفصول الثلاثة من 2015 كانت لغير البريطانيين المتسربين من دول الاتحاد الأوروبي وهي مسألة شديدة الحساسية تضفي تعقيدا على العلاقة المتوترة أصلا بين المملكة المتحدة وبروكسل على خلفية التعامل مع اكتساب الجنسية الأوروبية والمنافع الاجتماعية لغير الأوروبيين. وتضع رئيس الحكومة ديفيد كاميرون في موقف حرج مع المطالبين بانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي قبل حلول 2017 ،السنة التي حددها كاميرون لإجراء الاستفتاء على بقاء المملكة في الاتحاد أو الخروج منه. أعداد البريطانيين الذين دخلوا سوق العمل في المملكة المتحدة في الاثني عشر شهراً الأخيرة بلغ 122 ألفا إلى 28.9 مليونا. بينما بلغ 326 ألفاً عدد العاملين في المملكة من غير البريطانيين إلى 3.22 ملايين بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية. وبينما تتمسك الحكومة البريطانية بتقنين التوظيف في القطاع الحكومي لالتزام برنامج التقشف وخفض العجز المالي والدين العام العام، وتفتقد إلى ميزة تفاضلية لكسر حلقة تنامي الوظائف لغير البريطانيين، يستمر تسرب هؤلاء إلى سوق العمل من دول الاتحاد الأوروبي. الدراما الأوروبية معطوفة على أزمات الشرق الأوسط، مرشحة لإطاحة كل الجهود التي بذلت للفكاك من نتائج أزمة 2008.