قامت الدنيا ولم تقعد ولن تقعد لأن مدينة الجن والملائكة عاصمة الأنوار، مدينة الحب والعشق والعطور تعرضت لعمل إرهابي شنيع لا تقره الشرائع السماوية، ولا تقبله الإنسانية ولا يرضاه الأسوياء، وينكره العاقلون، فما ذنب الأبرياء في كل مكان وصلته يد العبث والإرهاب؟ فما ذنب المسالمين في الملاعب الرياضية؟ وما ذنب الجماهير في المسارح الثقافية؟ وما ذنب الناس في الأماكن الترفيهية؟ وما ذنب النساء والأطفال والكهول؟ العالم المتعاطف مع الإنسانية لم ولن يرضى استهداف المدنيين الآمنين، ولا يوجد عاقل يقر جرائم الإرهاب الذي لا دين له ولا ملة ولا وطن، كل العالم يعاني من الاعتداءات الإرهابية، ويدين مرتكبيها، ومع الأسف الشديد أنهم يربطون تلك الجرائم بالمسلمين، لأن الإرهابيين يخططون لتنفيذ أعمالهم في يوم الجمعة العظيم وهو خير يوم طلعت فيه الشمس، وذلك لإثبات التهمة على الإسلام وهو بريء منهم ومن فعلهم، وكأن يوم الجمعة يوم مخصص للانتقام وزراعة الرعب وغرس الخوف في نفوس الأبرياء المسالمين، فالمتابع لعمليات التفجيرات التي طالت مساجد المسلمين في عدد من مناطق السعودية كانت في أيام الجمعة وسالت على إثرها الدماء الزكية وزرعت الرعب في نفوس الناس البسطاء. لا يوجد سبب وجيه لتخصيص يوم الجمعية لتنفيذ الجرائم الإرهابية سوى الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، وقد يأتي من يسأل لماذا كل التفجيرات الداخلية والخارجية ينتسب فاعلوها إلى المسلمين سواء كانوا عربا أو من جنسيات أخرى؟، ولابد من توعية العالم بأن الإسلام بريء من هؤلاء ومن فعلهم، فمن الظلم أن تلتصق بالإسلام تهمة الإرهاب. قبل أيام تعرضت باريس لعدد من الاعتداءات الإرهابية التي خلفت ضحايا كبيرة فإذا استثنينا الكنيسة التي لم تصب بأذى كما أصيبت المساجد فإن التفجيرات طالت أماكن متفرقة ذات التجمعات البشرية الكثيفة كملعب كرة القدم أثناء مباراة رسمية ذات حضور جماهيري كبير، وقاعة للعروض المسرحية في منطقة مزدحمة بالسكان، وتفجير ثالث استهدف مطعمًا كبيرا شرق العاصمة، حتى الرهائن المحتجزين تم تصفيتهم بشكل لا إنساني. ليست المرة الأولى التي تتعرض للهجمات الإرهابية، ففي شهر يناير من العام الحالي تعرضت فرنسا للهجوم الذي استهدف إدارة مجلة «تشارلي إيبدو»، وتلاه الهجوم الذي استهدف متجرا يهوديا ، ثم القطار الذي نجا ركابه بأعجوبة كبيرة حينما تعرضوا للتفجير وغيرها من الجرائم، وإذا لم يقف العالم في مواجهة هذه الهجمات المتكررة ستكون الأيام القادمة حبلى بما هو أدهى وأمر، فلا نستبعد أن تكون عواصم أوروبية أخرى مثل بروكسل ولندن وروما هدفا لمجموعات إرهابية جديدة. سؤال بحجم المأساة.. لماذا باريس؟ لا أصدق ما يقال إن الهجمات الإرهابية في باريس جاءت بسبب مشاركة فرنسا دوليا في الحرب على الإرهاب أو بسبب ضربها لمناطق تجمع داعش بين سوريا والعراق، وإن تبنت داعش الأعمال الإرهابية وأعلنت مسؤوليتها عن الهجمات التي وقعت في باريس، سواء فيما سبق من تفجيرات أو ما حدث يوم الجمعة المنصرم، فمن يقف وراء داعش؟ ولأن هناك الدول الأوروبية الأخرى التي تشارك في التحالف الدولي وفي حربهم ضد الإرهاب لم يصبها أذى، وهناك دول العشرين التي تساهم باقتصادها في دعم الحرب على الإرهاب لم تصلها يد الإرهاب، فلماذا باريس؟ الاعتداءات الإرهابية تستحق الدراسة فمنذ بداية التفجيرات في التسعينات الميلادية كانت القاعدة تتبنى تلك الجرائم التي اختتمت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاها من حروب دامية، وتدمير لمقدرات الشعوب العربية، وفي العمليات الإرهابية الأخيرة تعلن داعش عن تبنيها لهذه الجرائم، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، فأحداث باريس لا تقل جرما عن أحداث برجي التجارة العالمي، والجمعيات الحقوقية في العالم تنادي بتكاتف جهود المجتمع الدولي في مواجهة آفة الإرهاب الذي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء العالم دون تفريق ولكن الاستجابات لهذه النداءات تحكمها المصالح الخاصة للدول العظمى دون أي اعتبار للدم المهدور في بعض البلاد العربية كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وبورما وغيرها. كل شعوب العالم يعبرون عن عواطفهم الإنسانية وينبذون العنف بجميع صوره وكافة أشكاله والحكومات العالمية تبحث عن آليات جديدة لمحاربة الإرهاب لأن الآلية القديمة فشلت في القضاء على الإرهاب وتحتاج إلى تطوير، والجميع ينادي بالتعاون الدولي لتطهير العالم من الخلايا الإرهابية، مؤكدين أن جرائم الإرهاب لن تثبط الهمم ولن تضعف العزائم الدولية ولن تفت في عضد الشعوب المحبة للسلام، بل ستزيدها قوة ومتانة وإصراراً على مكافحة الإرهاب ودحر المعتدين.