رغم المبالغ الطائلة التي تدفعها أرامكو في محاولاتها الحثيثة -ولو ظاهرياً- لدفع عجلة الثقافة، كان آخرها تدشين مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي2008، إلا أنها مازالت تعمل في الحقل الاجتماعي والفني والثقافي على طريقة «سلق بيض»، فتأتي «طبختها» سريعةً، ويمكن «مارغة»، مراهنةً في ذلك على دهشة المواطن البسيط «اللي مو شايف خير»، المحروم من المسرح والسينما والموسيقى والفنون، والذي -قطعاً- سيقبل باليسير، واليسير جداً، حامداً الله على ما آتاه، ومقبلاً يدها وجهاً وظهراً على ما أنفقت عليه. في كل مرة أزور فيها فعاليات أرامكو الثقافية أتحسس الفرحة في وجوه المشرفين وهم يسمعون الناس يهمهمون «معقول إحنا بالسعودية؟»، ليجيبهم أحدهم سريعاً بفخر «هذي أرامكو والأجر على الله!». هذه الجُمَل التلقائية البسيطة تكشف عن مدى المفارقة الضخمة بين الواقع المعرفي والثقافي الرسمي وبين مليارات أرامكو القادرة على صنع المستحيل في الصحراء. ولكن، دعونا نتجاوز هذه المفارقة قليلاً، ونتساءل، هل يتحرك مشرفو المركز من إحساسهم الأخلاقي والوطني بضرورة حرث الأرض المعرفية بشكل صحيح، أم أنهم يقومون بمجرد عمل إداري يأتي من باب «رفع العتب» الوظيفي لاستكمال التقارير التي تلزم الشركة نفسها بها في تواصلها المجتمعي؟! خصوصاً وأنه لا أحد من داخل أرامكو «المركز» ينحدر من المشهد الثقافي السعودي بقدر انحداره من الترقيات الوظيفية! بمعنى أن هنالك مسؤولاً إدراياً «أرامكوياً» وجد نفسه -فجأة- يشغل منصباً ثقافياً عالمياً، وهو لا خبرة له فيه إلا كخبرتي باللغة الهيروغليفية. وهذه النتيجة، لا بأس فيها، شريطة أن يكون لديه استشاريون يعلمون -جيداً- كيف تُدار العجلة، وإلا فالمركز سيظل تحفةً معمارية أسطوريةً فخريةً يتأنق خلف مكاتبه المسؤولون وهم يطلّون عبر نوافذهم الفاخرة على الصحراء الهائلة من حولهم.