بعد أحداث باريس والتوتر الذي يعم بلداناً غربية عدة، ستكون هناك بلا شك مراجعات أمنية وسياسية في هذه البلدان حيال قضايا كثيرة، أبرزها قضية الهجرة واللجوء الإنساني، وهي الظاهرة التي تزايدت في الأشهر الأخيرة وبدأت تشكل عبئاً على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن مثل هذه القضايا صارت تشكل مادة سياسية للمتطرفين في هذه البلدان، مثلما هو حاصل لدى اليمين في فرنسا وألمانيا وغيرهما من بلدان الغرب. بعد العمليات الإرهابية التي طالت باريس الأسبوع المنصرم لن يكون بمقدور الكثير من المتعاطفين مع القضايا العربية الوقوف أمام موجة الكراهية التي تلف دول العالم كافة، بخاصة وأنها جاءت في ظل مشهد إنساني متعاطف مع ظاهرة اللاجئين السوريين، ومن المتوقع أن تدفع الكثير من زعامات هذه الدول مواقعها في الرئاسة ثمناً لهذه المواقف، أنجيلا ميركل نموذجاً. أما في جهة العرب فلن يدفع ثمن ما حدث سوى المواطنين الأبرياء الذين ستوصد الأبواب أمامهم في دول الغرب التي كانت بمثابة طوق نجاة للملايين من المواطنين الفارين من جحيم الحروب التي تعيشها بلدانهم، ولن تستفيد من ذلك إلا الأنظمة الديكتاتورية التي ستزيد من ضغوطها على مواطنيها الذين لن يجدوا منفذاً للفرار من بطش هذه الأنظمة. ساحة المعركة في دول الغرب هذه الأيام ستكون بلا شك مع المتطرفين فيها، وتنامي المتطرفين لم يعد أمراً في حاجة إلى فهم، ذلك أن ما أقدم عليه تنظيم داعش في الأيام الأخيرة منحهم مزيداً من الأوراق في أيديهم وجرد المتعاطفين مع القضايا العربية مما كان يقع تحت أيديهم من حجج. تطاول داعش كثيراً ليحرم ملايين العرب والمسلمين من نظرة إيجابية عن دينهم المتسامح، الذي دعا ويدعو إلى التسامح والتعايش، وقد عاشت جاليات عربية كثيرة في المهجر وقدمت للمجتمعات الكثير من الخدمات وانصهرت فيها وتحولت إلى جزء من هذه المجتمعات، إلا أن المتطرفين الجدد الذين يتحدثون باسم الإسلام وهو منهم براء، أيقظوا في الغرب نزعة الكراهية لكل ما يمت للإسلام بصلة. الخطاب الديني الذي يعلنه البعض من المحسوبين على الإسلام، والذين يعيشون في دول غربية، يعد في نظر الكثيرين في الغرب من عوامل التحريض، خاصة وقد فتحت دول غربية كثيرة أبوابها لعلماء الدين ليعيشوا فيها بحرية بعيداً عن اضطهاد الأنظمة الديكتاتورية في بلدانها. يجب أن تكون هناك مراجعات صريحة في مواقفنا أيضاً كمسلمين مما يجري في البلدان الغربية، وعلى بعض العلماء الكف عن التحريض على العنف والكراهية في المساجد وغيرها، وهي مواقف تدفع رجل الغرب للتوجس من الإسلام، مع عدم إغفال أن عدداً من علماء الدين الإسلامي في دول الغرب يقدمون الإسلام بصورته الصحيحة. sadeqnasher8@gmail.com