كنت في أحد البلدان العربية المشهورة باستقبال السياح، في رحلة عمل، فوجدتها مقفرة من السياح الأوروبيين. وسمعت هناك شكاوى من انصراف السياح عنهم بسبب المخاوف من التعرض لاعتداءات إرهابية. في التوقيت نفسه تقريبا، كنت أقرأ خبر استيقاف أحد السياح الخليجيين في دولة أوروبية عدة ساعات في مقر الشرطة للتحقق من شخصية زوجته التي كانت تغطي وجهها. الفوبيا التي يعيشها السائح الأوروبي من زيارة مصر وتونس ولبنان وسواها، تقابلها فوبيا من السياح الشرق أوسطيين المتمسكين باللباس الذي يتفق مع معتقداتهم. هذا الاضطراب الحاصل، يجعل خريطة السياحة تأخذ نمطا يغلب عليه الطابع المحلي. لم يعد من المجدي حاليا؛ في ظل تصاعد النعرات وردود الأفعال السلبية، إثر اعتداءات باريس، أن يجعل المرء أوروبا خياراً أساسيا في سياحته صوب العالم. وقد كابد البعض خيارات السفر إلى تركيا وسواها، ونحن نتذكر ما حصل للأسرة السعودية في أحد المطارات هناك. وبالتالي أصبح الأفق المحلي والخليجي هو المتنفس الأول للسياح السعوديين والخليجيين. وهذا الأمر يتطلب جهداً من طرفين، الطرف الأول السائح، والطرف الثاني صناع السياحة في المملكة. إن الفرصة سانحة للمستثمرين، لإعادة تقديم منتجاتهم السياحية، بصيغة تحقق المكسب لهم، وتسهم في إقناع السائح بعدالة السعر الذي يحصل عليه. المسألة هنا لا تتعلق بتسعيرة رسمية، بقدر ما تتعلق ببناء جسر من الثقة بين المستثمر والسائح، تجعله يقتنع بأن الخدمة التي يحصل عليها، تعادل السعر الذي يدفعه. لقد أحسنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالإعلان عن إطلاق مؤشر الأسعار الخاص بالفنادق، وهذا المؤشر جزء من جهد مشهود بذلته الهيئة طيلة خمسة عشر عاما من أجل بناء قناعات بالسياحة المحلية وتحفيز السوق. إن الذين يتعاملون مع تطبيقات الفنادق المشهورة مثل booking و expedia وسواهما يدركون أن هذه التطبيقات تعطيهم خيارات سعرية أفضل؛ لكن هذه الخيارات السعرية تظل محليا أقل من المأمول، ولا تزال الفنادق والشقق التي تعتمد على هذه التطبيقات قليلة. أمام السياحة المحلية آفاق رحبة، وأمام المستثمر فرص كثيرة واعدة. السياحة المحلية خيار أغلبية المواطنين، وإثراء هذا الخيار يتحمله المستثمر الذكي. الذي يفترض أن يستفيد من التنويعات والخيارات التي تقدمها جغرافية وتضاريس هذا البلد الكبير. الأسبوع الماضي كان الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في العلا يدشن سلسلة من المشروعات السياحية بمعية الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة. قصة السياحة في المملكة واقتصادياتها ستكون أمامها فرص ضخمة في المستقبل القريب. هذا الأمر كان رئيس الهيئة يردده طيلة أعوام مضت.