يقول قيادي في قوى 14 آذار إن لا تراجع عن تشكيل حكومة حيادية انتقالية تتولى تمرير المرحلة السياسية في حال تعذر على البرلمان انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 أيار (مايو) المقبل، وإن الدعوة إلى تشكيل حكومة من «9+9+6» لن تلقى تجاوباً لدى جميع المكونات التي تتشكل منها بمن فيها المستقلون، خصوصاً مع اقتراب بدء المحكمة الخاصة بلبنان في 16 كانون الثاني (يناير) المقبل لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. ويعزو القيادي السبب إلى أن قوى 14 آذار، وعلى رأسها تيار «المستقبل» لا يمكن أن تجلس في مجلس الوزراء حول طاولة واحدة مع «حزب الله» ما دامت المحكمة الدولية وجهت التهمة إلى عناصر في الحزب بالاشتراك في جريمة اغتيال الحريري. ويضيف القيادي نفسه إن توجيه التهمة إلى عناصر من «حزب الله» تستدعي التريث في الوقت الحاضر، مع أن هناك أكثر من عائق أمام قيام حكومة وحدة وطنية، ما لم يعترف الحزب وحلفاؤه بإعلان بعبدا ومفاعيله وأبرزها تحييد لبنان عن الصراع الدائر في سورية وانسحاب الحزب من القتال إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد ضد المعارضة. وإلا فإن مجرد الاشتراك يعني أن 14 آذار لم تغض النظر عن مشاركته فحسب، وإنما وافقت بملء إرادتها على توفير الغطاء السياسي له. ويشكك في قدرة خصومه في 8 آذار على تحقيق أي اختراق يسمح لهم بزعزعة وحدة 14 آذار على رغم أن هناك أكثر من مرشح منها لرئاسة الجمهورية مع إنها لم تدخل حتى الساعة في نقاش جدي بغية توحيد موقفها من انتخابات الرئاسة. ويقول إن الكلام الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول استعداد 8 آذار للتوافق على مرشح واحد ليس موجهاً إلى حلفائه بمقدار ما إنه يريد أن يدغدغ طموحات المرشحين المنتمين إلى 14 آذار لعلهم يسقطون في الفخ إذا ما قرروا منذ الآن الدخول في منافسة يستبقون فيها إمكان التوافق على مرشح واحد. ويؤكد القيادي عينه أن 8 آذار لن تواجه مشكلة عندما تقرر الإجماع على مرشح واحد من اثنين هما رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ويقول إن تحالف حركة «أمل» و «حزب الله» يبقى الأقدر على التقريب بينهما مع أن هناك صعوبة، حتى لو تبدلت موازين القوى في سورية، في إيصال أحدهما إلى رئاسة الجمهورية كذلك الحال بالنسبة إلى أي مرشح من 14 آذار. ولا يرى أن هناك إمكاناً لدى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على تسويق أي مرشح ينظر إليه هذا الفريق كما الآخر على أنه مرشح تحدٍ، إضافة إلى أن بكركي تواجه صعوبة في جمع القيادات المارونية حول مجموعة من الثوابت السياسية يمكن أن تلزم المرشح للرئاسة بها طالما أن الاختلاف يتعلق بالخيارات السياسية لهذه القيادات. ويعتقد أن من المبكر فتح ملف الانتخابات الرئاسية على مصراعيه قبل أن تجلس قيادات 14 آذار حول طاولة واحدة لاستقراء طبيعة المرحلة المقبلة وإمكان طرح اسم مرشح يمكن التوافق عليه، ويقول إن لا مشكلة أمام أي مرشح في إعلان ترشحه، ويؤكد أن العماد عون طامح للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى على رغم أنه يقول باستمرار إنه غير مرشح وإن لا مانع لديه إذا انتخب رئيساً. ويضيف القيادي أن عون يواجه منذ الآن مشكلة تكمن في خياراته السياسية ولا يستطيع القفز فوقها لأنه يفقد تأييد حليفه الأول «حزب الله»، وأن انفتاح «تكتل التغيير» الذي يرأسه على الكتل النيابية المنتمية إلى 14 آذار لن يقدم أو يؤخر في مسار الانتخابات الرئاسية. ويؤكد أن عون يحاول أن يوحي من خلال هذا الانفتاح بأنه يتمتع بهامش من الاستقلالية عن حلفائه وأولهم «حزب الله» لكن سرعان ما يتبين أنه لا يزال في الخندق السياسي نفسه معهم ولم يبدل في موقفه من انخراط الأخير في الحرب الدائرة في سورية. ويعتبر أن من شروط تأمين إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده أن يصار إلى التفاهم على اتفاق يتناول كل القضايا العالقة وتوفير الحلول لها ليأتي في سلة واحدة بالتوازي مع التوافق على رئيس الجمهورية العتيد. لكنه يؤكد أن مثل هذا الاتفاق غير قابل للصرف، على الأقل في المدى المنظور، بسبب ارتفاع منسوب الاختلاف حول الموقف من النظام في سورية ومشاركة «حزب الله» في القتال فيها واستخدام السلاح في الداخل. إضافة إلى ذلك، فإن إمكان الوصول إلى اتفاق في سلة واحدة، كما يقول القيادي، لا يزال يفتقد، حتى إشعار آخر، الجهة الإقليمية أو الدولية الراعية لمثل هذا الاتفاق، خصوصاً أن الظروف التي أملت على الأطراف السياسيين الرئيسيين الاجتماع في مؤتمر حوار وطني في الدوحة في قطر والاتفاق على عناوين رئيسة لحل الأزمة ومن ضمنها انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية لم تعد قائمة لأن خريطة التحالفات الإقليمية والعربية تبدلت، إضافة إلى أن اتفاق الدوحة مُني بانتكاسة سياسية يدفع ثمنها لبنان حتى الآن وكان مصدرها انقلاب قوى 8 آذار على هذا الاتفاق عندما خالفت ما ورد فيه لجهة عدم الاستقالة من الحكومة. ويعتقد أن قوى 8 آذار دفنت اتفاق الدوحة عندما استقالت من حكومة الرئيس سعد الحريري واستبدلت به الرئيس نجيب ميقاتي بموافقة رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط الذي سهل إطاحته بذريعة أنه اتخذ موقفه هذا لمنع وقوع البلد في فتنة مذهبية وطائفية. لذلك يتلازم اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي - ووفق هذا القيادي - مع تصاعد وتيرة الاشتباك السياسي بين 14 آذار و8 آذار مع أن الانتخابات الرئاسية تشكل محطة لإعادة إنتاج السلطة في لبنان، وأن رهان هذا المرشح أو ذاك من 14 آذار على إمكان كسب تأييد أطراف من 8 آذار ليس في محله بمقدار ما أن هناك من يريد توظيف انفتاحه لإيجاد شرخ داخل 14 آذار. أما في خصوص العلاقة السائدة حالياً بين 14 آذار وتحديداً تيار «المستقبل» وجنبلاط، فيؤكد القيادي أن مواقفهما من معظم القضايا المطروحة، لا سيما قضية تشكيل الحكومة، ما زالت متباعدة. ويقول إن لدى الطرفين توجهاً يقضي بعدم الدخول في سجال سياسي مباشر. ويضيف أن «وقف إطلاق النار بين «المستقبل» وجنبلاط قائم حتى الساعة. والحريري أوصى بعدم الانجرار إلى سجال معه، لكن على أن يتم الرد عليه في حال تناول مباشرة «المستقبل»، كما حصل أخيراً عندما قال رئيس «التقدمي»: إذا كان تيار «المستقبل» يعتقد أنه يمون على «داعش» و «النصرة» و «الشيشان» و «القاعدة» في سورية فليسمح لنا بذلك». في هذا السياق علمت «الحياة» بأن الحريري لن يتساهل مع من يتهجم على «المستقبل» وينسب إليه مواقف لا أساس لها من الصحة، وأن الاتصالات التي جرت بين مدير مكتبه نادر الحريري وبين وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أفضت إلى أن الأخير رأى تحريفاً في كلام جنبلاط عن «المستقبل». وعليه، فإن «المستقبل» لا يرى مصلحة في الدخول في اشتباك سياسي، ولو محدود، مع جنبلاط لكنه لن يسكت على من يستهدفه من دون أي سبب، خصوصاً أنه لن ينجر إلى معارك جانبية يمكن أن تصرف الأنظار عن المعركة السياسية المستعرة بين 14 آذار و «حزب الله».