يمضي الأردن قدماً في مشروع تركيب كاميرات لمراقبة المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، في مدينة القدس المحتلة، متجاوزً جدلاً واسعاً أثاره التفاهم الشفهي الأخير بين عمّان وتل أبيب بوساطة أمريكية. التفاهم الأردني – الإسرائيلي، الذي جرى التوافق بشأنه بوساطة أمريكية رعاها وزير الخارجية جون كيري، جوبه بحملة انتقادات واسعة، رفضت المشروع، الذي يقضي بزرع كاميرات في المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، كآلية لمراقبة ما يحدث هناك. الأردن مضى قدماً في تنفيذ التفاهم الشفهي على أرض الواقع، وقرر إيفاد فريق فني لدراسة الموقع، وإعداد تقرير للسلطات الأردنية للبدء بوضع الكاميرات في الحرم القدسي، وفق وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني هايل داود. وقال الداود، في تصريح لـ اليوم، إن مراقبة المسجد الأقصى هي الآلية المناسبة لكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية بشأن الأحداث الأخيرة، التي شهدتها المدينة المقدسة، فضلاً عن أهمية الكاميرات المزمعة لتوثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد المصلين. وزاد: الولاية الهاشمية على المقدسات، في مدينة القدس المحتلة، تفرض على الأردن اتخاذ التدابير الكفيلة بالحفاظ على المقدسات وسهولة دخول المصلين إليها. وأثارت الانتهاكات الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف موجة غضب فلسطينية، أسفرت عن مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مدينة القدس المحتلة، امتدت لاحقاً إلى مناطق متفرقة من الأراضي الفلسطينية، وهو ما دعا أطرافا إقليمية ودولية إلى المسارعة في إيجاد مخرج لتهدئة موجة الغضب. وحول تفاصيل مشروع مراقبة الأقصى، قال الوزير الأردني: إن الفريق الفني سيعد دراسة، بالتعاون مع مديرية أوقاف القدس، لتحديد المواقع التي ستركب فيها الكاميرات، وآلية ربطها بمقر الوزارة في العاصمة عمان، لضمان مراقبة على مدار الساعة. وبين الداود أن الكاميرات ستبث مباشرة عبر شبكة الانترنت إلى جميع أنحاء العالم، بما يمكّن المهتمين والمتابعين من مشاهدة ما يجري في المسجد الأقصى وساحاته ومرافقه في أي وقت، لافتاً أن الكاميرات لن يصار إلى تركيب أي منها داخل المسجد. الكاميرات الأردنية، التي جاءت كجزء من التفاهم بين عمّان وتل أبيب، أثارت جدلاً واسعاً، ودفعت أطرافا فلسطينية رسمية وشعبية إلى رفض التفاهم، وهو ما انعكس عبر الخلاف الرسمي الأردني الفلسطيني، خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي للأردن في أكتوبر/تشرين أول الماضي. في وقت سابق، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في تصريحات صحافية: إن الكاميرات ستستخدم في اعتقال الفلسطينيين بحجة التحريض، مضيفاً: لقد وقع الفلسطينيون في الفخ، وهو ما أثار حفيظة عمّان. مصدر سياسي في السلطة الفلسطينية، أبلغ اليوم، أن التفاهم بين عمان وتل أبيب سمح للأجانب بزيارة المواقع المقدسة، وهو ما يفتح الباب أمام اقتحامات المتشددين اليهود للحرم القدسي، ويوفر لهم الغطاء السياسي. وقال المصدر: التفاهم يكرّس التقسيم الزماني للمدينة المقدسة، وهو ما يسعى الفلسطينيون إلى مقاومته عبر موجة الغضب الشعبي، التي تشهدها الأراضي الفلسطينية. وأشار المصدر إلى أن القيادة السياسية للفلسطينيين توصلت إلى نتيجة، مفادها أن جهود حماية الأقصى والمقدسات الإسلامية لن تفلح في تحقيق غاياتها دون العبور من البوابة الدولية، وتحديداً من خلال منظمة الأمم المتحدة والأذرع التابعة لها، وعبر استصدار قرارات دولية تحمي المدينة. حين زار وزير الخارجية الأمريكي عمّان، والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، كل على حدة، طالبت السلطة الفلسطينية بـ تدويل الانتهاكات الإسرائيلية، وسعت إلى توظيف موجة الغضب الفلسطيني لاستصدار قرار أممي بشأن المدينة المقدسة والأراضي الفلسطينية المحتلة، بيد أن الأردن الرسمي رفض التوظيف السياسي لموجة العنف في الأراضي الفلسطينية، وتمسك بـ نقاط التفاهم مع تل أبيب، التي اقترحها على الإدارة الأمريكية كمخرج. تباين الأجندتين، الأردنية والفلسطينية، عزز من الجدل الدائر حيال التفاهم الشفهي، وهو ما دفع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية إلى رفض الموقف الرسمي، وهاجمت التفاهم لما يوفره من شرعية للتقاسم الزماني والمكاني في المدينة المقدسة. تتمثل فكرة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى باقتصار الأحقية الفلسطينية والإسلامية في المسجد على أوقات الصلوات الخمس، فيما يفسح المجال في غيرها من الأوقات لغير المسلمين للتواجد في باحات المسجد الأقصى والحرم القدسي. أهداف الكاميرات الأردنية واضحة، وهي وتوثيق ما يحدث في الأقصى على مدار الساعة، وإتاحته للجمهور والمهتمين، بيد أن الإشكال في الأمر أن آلياتها في تحميل المسؤولية للاعتداءات على الحرم القدسي ستخضع لباقي نقاط التفاهم الشفوي بين عمّان وتل أبيب، ما يعني أن تداعي المرابطين في المسجد الأقصى إلى منع المستوطنين من تدنيس الحرم، خارج أوقات الصلوات الخمس، سيعتبر تحريضاً على العنف. يأتي هذا بينما أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مراراً أن المسجد الأقصى لا يقبل الشراكة أو التقسيم، ولكن تلك التأكيدات لم تحسم الجدل الدائر، الذي سيستمر لحين ظهور نتائج تطبيقات التفاهم على أرض الواقع، سواء لجهة تبديد المخاوف أو تأكيدها.