د. عادل أحمد الرويني قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا النساء34 إضاءة: روي في أسباب نزول قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - صنع طعاماً لنفر من الصحابة فأكلوا وشربوا الخمر ولم تكن قد حرمت فأخذت الخمر بعقولهم، وحضرت الصلاة فتقدم أحدهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون. فخلط في القراءة، فأنزل الله تعالى:يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } السؤال: ما علاقة الآية الكريمة بالسياق السابق قبلها؟ الجواب: وجه العلاقة أن الله تعالى أمر بعبادته سبحانه والإخلاص في العبادة، وأمر ببر الوالدين والإحسان إلى الأقارب والجيران وبمكارم الأخلاق عامة وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (النساء 63) وحذر من البخل وذمه، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (النساء 73 ) وكان قد وقع من بعض الصحابة تخليط في الصلاة التي هي أم العبادات ورأسها بسبب شرب الخمر فناسب ذلك أن تخلص الصلاة من كل ما يفسدها فأمر -سبحانه- بإتيانها على وجهها الصحيح من دون ما يكدرها، ليجمع لهم بين إخلاص عبادة الحق ومكارم الأخلاق التي بينهم وبين الناس. والله أعلم. ويمكن أن يقال: لما نهوا عن الإشراك بالله تعالى فيما سبق نهوا هنا عما يؤدي إليه من حيث لا يشعرون. والله أعلم. مقدمة لتحريم الخمر } السؤال: لم قيل: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ولم يقل: لا تصلوا وأنتم سكارى؟ الجواب: الفقهاء والمفسرون في تأويل الصلاة في الآية الكريمة - على رأيين: الرأي الأول: أن المراد بالصلاة العبادة نفسها، يؤيده قوله تعالى حتى تعلموا ما تقولون وهو رأي أبي حنيفة. والرأي الثاني: أن المراد بالصلاة موضعها أي المسجد، والكلام من باب حذف المضاف، والتقدير: لا تقربوا موضع الصلاة، وهذا رأي الشافعي، واستدلوا بقوله تعالى: ولا جُنُباً إلا عابري سبيل وهذا يقتضي جواز العبور للجُنُب في المسجد لا الصلاة فيه كما استدل أصحاب هذا التأويل بقوله تعالى:لهدمت صوامع وبيع وصلوات (الحج04) حيث إن المراد بالصلوات هنا مواضعها أي المسجد، وقيل: المراد الموضع والصلاة معا، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين فكانا متلازمين. وأميل إلى الرأي الأول القائل بأن المراد بالصلاة العبادة المعروفة نفسها. وجاء النهي عن القرب من الصلاة في حال السكر، لأن ذلك أبلغ في النهي وذلك على غرار قوله تعالى: ولا تقربوا الزنا أي مقدماته ولا تقربوا الفواحش ولا تقربوا مال اليتيم. وأضاف صاحب التحرير والتنوير رأياً آخر في تعليل اختيار (لا تقربوا) دون ( لا تصلوا ) وهو أن تلك حالة منافية للصلاة، وصاحبها جدير بالابتعاد عن أفضل عمل في الإسلام ومن هنا كانت مؤذنة بتغيير حكم الخمر. والله أعلم. } السؤال: علام عطف قوله تعالى:ولا جنباً؟ الجواب: عطف على قوله تعالى: وأنتم سكارى والمعنى: لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنباً. والله أعلم. } السؤال:ما وجه ذكر ( لا ) في قوله تعالى: ولا جنبا حيث كان من الممكن أن يقال: ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى.... وجنباً ؟ الجواب: للتأكيد على مراعاة كل قيد - أي المعطوف والمعطوف عليه - منفرداً لأهميته وخطورته ؛ لأنه إذا كان النهي عن أداء الصلاة مصاحبة لكل حال منهما منفرداً فإن النهي عن أدائها بهما مجتمعين أولى، وأدخل في الحظر. والله أعلم. حالة السفر } السؤال: ما نوع الاستثناء في قوله تعالى: ولا جنباً إلا عابري سيبل حتى تغتسلوا؟ الجواب: استثناء عام في محل نصب حال من الضمير في لا تقربوا والمعنى: لا تقربوا الصلاة جنباً في حال من الأحوال أو في عامة الأحوال إلا حال كونكم مسافرين ولم تجدوا ماء، أي ينتهي حكم النهي عن الصلاة جنبا في حالة السفر. والله أعلم. } السؤال:ما علاقة قوله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر.... بالاستثناء في قوله سبحانه: ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا؟ الجواب: لتفصيل ما أجمل في الاستثناء ببيان الأعذار المبيحة لرخصة التيمم. والله أعلم. } السؤال: ما سر ذكر السفر مرة بالكناية في قوله تعالى: إلا عابري سبيل ومرة بالتصريح في قوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر....؟ الجواب: للإشعار بأن السفر هو العذر الغالب المبيح لرخصة التيمم عند فقد الماء ؛ ولبناء الحكم الشرعي للرخصة عليه وبيان كيفيته. والله أعلم. } السؤال: لماذا قدم المرض على السفر في قوله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر...؟ الجواب: للإيذان بعراقته وانفراده بأحكام لا توجد في عذر آخر من الأعذار المبيحة للتيمم والمذكورة في الآية الكريمة، والله أعلم. } السؤال: ما سر تقديم الاستثناء في قوله تعالى: إلا عابري سبيل حيث كان من الظاهر أن يقال: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل ؟ الجواب: قدم الاستثناء على النهي عن الاقتراب من الصلاة في حالة الجنابة في قوله تعالى: حتى تغتسلوا،( للإيذان بأن حكم النهي عن الصلاة في هذه الصورة ليس على الإطلاق كما في صورة السُّكْر تشويقاً إلى البيان، ورَوْمًا لزيادة تقريره في الأذهان ) والله أعلم. } السؤال: لماذا أوثر حرف الاستعلاء ( على ) على حرف الظرفية (في) في قوله تعالى: وإن كنتم على سفر حيث لم يقل: وإن كنتم في سفر ؟ الجواب: لأن حرف الاستعلاء يوحي بالعزم على السفر وعقد النية عليه حتى بات واقعا، وهذا كاف في نيل رخصة التيمم بشروطه - وهو ما يتناسب مع مقام التيسير في الآية الكريمة، ولو قيل: في سفر، لأشعر بتوقف استحقاق الترخص على التغول في السفر وقطع المسافات فيه وهذا لا يتلاءم والمقام. والله أعلم التعبير بالكناية } السؤال: لم عبر بالغيبة في قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط حيث كان من الممكن أن يقال بصيغة المخاطب: أو جئتم من الغائط؟ الجواب: تحاشى النظم الكريم إسناد المجيء من الغائط - أي الحدث ببول أو غائط - إلى المخاطبين مباشرة بل أسند الفعل إلى واحد منهم لتجنب التصريح عما يستهجن التصريح به ؛ لذا عبر بالكناية عن قضاء الحاجة. وقريب منه السر في إيثار الكناية عن الجماع في قوله تعالى: أو لامستم النساء حيث عدل إلى الكناية تفاديا عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه. والله أعلم. } السؤال:ما سر العدول عن اسم الفاعل ( مسافرين ) إلى المصدر ( سفر ) في قوله تعالى: وإن كنتم جنبا أو على سفر؟ الجواب: للإشارة - والله أعلم - إلى استحقاق رخصة التيمم لمن فقد الماء أو لم يقدر على استعماله من الأصناف المذكورة بمجرد تحقق الحدث وهو التهيؤ للسفر والاستعداد له من غير ارتباطه بزمن قصر أم طال ؛ لذا أجيز للمسافر الذي عزم على السفر الإفطار إن كان صائماً وهو في محله قبل أن ينطلق مسافرا، ولعل هذا يناسبه ختام الآية يقوله تعالى: إن الله كان غفوراً رحيماً بدلالته على التيسير. أما لو عبر باسم الفاعل (مسافرين) لدل على أن رخصة التيمم لا تستحق إلا بعد التلبس بالسفر لا مجرد الشروع فيه، ولعل هذا لا يلائم مقام التيسير في الآية الكريمة. والله أعلم بمراده وأعوذ به من الزلل. } السؤال: المرض والسفر مع فقد الماء سببان من أسباب الترخيص بالتيمم والحدث سبب لوجوب الوضوء، والجنابة سبب لوجوب الغسل، فكيف جمع في سلك واحد بين ما هو سبب للرخصة، وبين ما هو سبب للطهارة بوضوء أو غسل وذلك في قوله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً...؟ الجواب: أجاب الزمخشري عن ذلك بقوله (أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون الماء في التيمم بالتراب فخص بالذكر المرضى والمسافرين لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم بكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو إرهاق في مكان لا ماء فيه وغير ذلك بما لا يكثر كثرة المرض والسفر ). والله أعلم. دلالة المجيء } السؤال: ما سر التعبير بالمجيء دون الإتيان في قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط؟ الجواب: أحسب - والله أعلم بمراده - أن السر في إيثار المجيء على الإتيان في الآية الكريمة في قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط هو توافق دلالة المجيء وما فيه من الصعوبة مع أصل دلالة الغائط، ( فالغائط أصله ما انخفض من الأرض، والجمع الغيطان أو الأغواط، وكانت الناس يومئذ تقصد تلك المواضع لقضاء حاجتها تستراً عن أعين الناس، ثم سمي الحدث الخارج من الإنسان غائطاً) بيان ذلك أن المجيء إلى تلك المواضع المنخفضة من الأرض مما لاشك فيه أنه مجيء صعب فيه ثِقَل الحركة وصعوبتها، وفيه كذلك مشقة لتكرره يومياً في أي وقت. والله أعلم.