يكتسب عمل الجمارك السعودية صفة استراتيجية من واقع الدور الكبير في حماية الاقتصاد الوطني من مخاطر التهريب، وذلك ليس من منطلقات اقتصادية وحسب وإنما أمنية واجتماعية وأخلاقية، فعمليات التهريب إنما تتم لمواد يمنعها قانون وتشريع محلي قياسا على أخطارها وتهديدها للأمن الوطني، فالمخدرات، على سبيل المثال، خطر معقد، اقتصادي وأمني واجتماعي وأخلاقي، فالتجارة بها غير مشروعة وتسهم في خلق اقتصاد هامشي مواز يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، فضلا عن تهديدها للأمن الاجتماعي باستهداف المجتمع وتدمير الشباب تحديدا وهم عصب النمو والتنمية وأمل المستقبل. ولمنسوبي ومنسوبات الجمارك السعودية في كل المنافذ الجمركية البرية والجوية والبحرية، جهود عظيمة في إحباط العديد من محاولات تهريب الممنوعات إلى المملكة، ولسنا في إطار الشكر وهم جديرون به، والثناء وهم أهله، والتقدير وهم محله، والإشادة وهي تليق بهم، ولكننا في الواقع أمام حالة بمزيد من الحاجة للوعي الاجتماعي بها، فعمل الجمارك له مردود مهم على الدخل الوطني، وفي ذات الوقت يحد كثيرا من الأخطار التي يمكن أن تخترق أمننا الوطني، خاصة حينما نقرأ عن الضبطيات الهائلة للمخدرات في كافة المنافذ، فمن يأتي بها الينا؟ هم بوجه عام من لا يريدون بمجتمعنا ووطننا خيرا، والأسوأ إذا كان بينهم مواطنون فهم يصبحون ضحايا مزدوجين، لا يعرفون خطورة كسبهم غير المشروع، ويسهمون في تخريب بلادهم. وفيما يختص بتهريب المخدرات تحديدا فإن الجمارك ومنسوبيها يبذلون جهدا أقل ما يقال إنه خارق في الحد من هذا الوباء الذي أصبح سلاحا نوعيا في تعطيل قدرة المجتمعات والأوطان. وأكثر الناس عداء لنا يوظفونها بقدرات عالية لتخريب المجتمعات والعقول أكثر من الاقتصاديات. نقرأ كل حين عن إنجاز للجمارك بإحباط تهريب ملايين من حبوب الكبتاجون، ومثلها من البضائع المغشوشة، ولعل الشاهد في ذلك أن ميناء ضباء لوحده نجح خلال فترة وجيزة في ضبط أكثر من 18 مليون حبة، الى جانب الضبطيات الكبيرة الاخرى التي تقوم بها كافة المنافذ مثل ضبطيات العديد من البضائع المغشوشة الواردة الى بلادنا، والمزعج والمثير للقلق حقا أن عمليات تهريب الحبوب المخدرة لا تتوقف وهي تتم بكميات هائلة تعكس حجم السعي لتخريب شبابنا ومجتمعنا، ويمكن لنا أن نتخيّل قدر التخريب والضرر في حال نفاذ بعض هذه الكميات الى بلادنا، لا قدر الله! أكثر ما تحتاجه الجمارك حقيقة هو الوعي الاجتماعي بدورها وقيمة منجزاتها وأعمالها التي تحمي بلادنا من أخطار مؤكدة، فبدون دعم واستيعاب مجتمعي لما تقوم به الجمارك فإن ذلك في الواقع يجعل عملها صعبا ويلقي على كاهلها أعباء من صميم غفلتنا عن الخطر الذي يعمل منسوبو الجمارك على حمايتنا منه. مصلحة الجمارك السعودية قامت بإنجاز المهمة المناطة بها مشكورة على اتم وجه، ولكن لا يتم ولا يكتمل أمن وطن ويتحقق من خلال عمل الأجهزة الأمنية وحدها وإنما لا بد من دور شعبي مواز يتعامل بحزم مع كل من يستهدف أمننا الوطني ويسعى لتدمير قدراتنا وطاقاتنا الاجتماعية والشبابية.