مسجد شنقيط هو أشهر وأقدم المساجد في موريتانيا، بني في القرن الثامن الهجري في وقت ازدهرت فيه مدينة شنقيط كمركز إشعاع علمي ومنطلق للقوافل القادمة من أرجاء الصحراء الكبرى والمنطلقة إلى الحجاز في رحلة الحج الطويلة، تلك الرحلة التي شكلت في ذلك التاريخ أهم وسيلة للربط علميا واقتصاديا بين الصحراء الكبرى وبقية بلاد العالم العربي والإسلامي، وقد لعب المسجد منذ إنشائه دور المؤسسة الدينية والثقافية والإدارية التي تسير منها شؤون مدينة شنقيط. يتكون المسجد من قاعة للصلاة وبهو خارجي ومئذنة، يرتفع سقف القاعة على اثنتين وثلاثين سارية تتوزع على مساحتها الداخلية، وبها محراب للإمام ومنبر خشبي للخطيب، وكانت تضاء بمواقد الزيت التي توضع في كوى صغيرة موزعة بمسافات متساوية على جدران القاعة الأربعة، وأما سقف القاعة فيتكون من خشب شجر الطلح عليه الحصر من سعف النخيل، والحشيش وفوقها الطين، وله مصبات يجتمع إليه الماء فتسربه خارج سقف المسجد، وقد بني المسجد من الحجارة ذات الألوان الداكنة والصفراء والسوداء التي يعطي تنوعها فسيفساء لونية جميلة. وأما البهو فهو مكشوف وأرضيته حصى نقي ناعم عارية من الفرش، ويستخدم للصلاة في أوقات الحرارة داخل قاعة الصلاة، وينتشر فيها طلاب العلم في كل الأوقات للتكرار والمراجعة، حيث يقوم المسجد منذ إنشائه بوظيفة تعليمية يشرف عليها إمام المسجد، وتتم الدراسة على مراحل، فيحفظ الطالب القرآن ثم يبدأ في كتب الفقه المالكي، ثم ينتقل إلى كتب النحو والصرف، وبعدها يتجه إلى العلوم الأخرى كالأصول والتفسير والمنطق والشعر والبلاغة، ويحتاج الطالب الذي يريد بلوغ مرتبة العالم في العلوم إلى استيفاء تلك العلوم كلها حفظاً، وسماعها شرحا من يد شيخه، الذي سيكتب له الإجازة. امتاز مسجد شنقيط بمئذنة نادرة في تصميمها، فقد بنيت على قاعدة مربعة عريضة صلبة من الحجارة الملساء، وبعد هذه القاعدة يبدأ حجم المئذنة في التناقص صعوداً متخذة شكلاً مخروطياً مع حفاظها على طابعها المربع، حتى تصل إلى قمتها، المزينة بخمسة رؤوس حديدية مثبتة في أعلى كل منها حجارة صغيرة بيضاء لامعة بيضاوية الشكل، مما يعرف بحجارة بيض النعام، ويعطي تناسق شكلها وتلألؤها للمنارة زينة إضافية، وترتفع المنارة مقدار عشرة أمتار، وكانت قديما تطل على المدينة، وترى من بعيد، وفي جدرانها فتحات على شكل مثلثات تسمح بمرور الهواء، ويرتقي المؤذن المنارة في الأوقات الخمسة ليرفع الأذان، وذلك عن طريق سلم داخلي، وأما عند إقامة الصلاة فإنه يرتقى على سطح المسجد عن طريق سلم مشيد في البهو يوصل إلى سطح قاعة الصلاة. تحتفظ أروقة مسجد شنقيط بمئات المخطوطات النادرة في العلوم العربية والإسلامية، وعلوم الفلك والطب، ومنها تصانيف لعلماء مشهورين من الأندلس وغيرهم، اندثرت ولم يبق منها إلا تلك النسخ، كما تحتفظ أسر المدينة التي ارتبط تاريخها بالمسجد بآلاف من تلك الكتب النادرة، التي تتوارثها، وتحافظ عليها في صناديق مدفونة في جدران البيوت، وقد صنف المسجد والمدينة ومخطوطاتها تراثا إنسانيا عالميا من طرف الأمم المتحدة، كما تولى المسجد عبر التاريخ مهمات التوثيق القضائي لعقود أهل المدينة، والتوثيق التاريخي لأحداثها، وكانت له أوقاف ينفق منها على طلاب العلم، وينظم بها حفلات الأعياد الدينية، خصوصا احتفالات المولد النبوي حيث يجتمع المادحون في بهوه ليلة المولد ويومه لينشدوا المدائح، وتنظم لذلك وليمة كبرى.