لم أتوقع من شابة سودانية صغيرة السن تحمل الجنسية البحرينية تعمل موظفة كيشير بجمعية الحد التعاونية الاستهلاكية أن يكون عندها هذا الاهتمام الأدبي وهذا الحس الثقافي وأن تقدم على تأليف كتاب يحمل بصماتها تحت عنوان أرى ضبابًا عبارة عن مجموعة من الخواطر الشعرية النثرية الرائعة. عندما اتصلت بها يوم السبت الماضي لأشكرها على مؤلفها الجميل قالت لي بصدق بأنها ألّفت هذا الكتاب في أربعة أيام فقط في تحدٍ مع نفسها ومع الآخرين، وأنها استطاعت أن تتغلب على كل المعوقات المادية والنفسية التي اعترضت إصدار هذا المؤلف. وأضافت بأنها صرفت على هذا المؤلف من جيبها الخاص أكثر من خمسمائة دينار ثمناً لطباعته وتصحيحه ومراجعته، دون أن يساعدها أحد. تقول الكاتبة سارة في إهدائها لهذا الكتاب: إنه إهداء لكل من يرى ضباباً، إلى الحقيقة الضائعة بين شطآن الحياة، المحبوسة في زفرات أنفاسنا الحائرة، وإلى نظرتي الضائعة التي كانت مصدر إلهامي؛ لأنني لا أرى من دونها سوى الضباب الذي يشوّش ما حولي. وتقول في مقدمة كتابها: أرى ضبابًا، وترى ضبابًا، وجميعنا يرى ضبابًا. يتحرك بثقل وكأنه لا يريد أن يتحرك، يتجول بين خطاوينا، يعكس لنا من على بعد ما يخيل لنا، أو ما يريد عقلك الباطن أن يجعلك واهماً. تسرع تركض تجاهه ربما ستصل إليه، ربما ستمسك به.. أرى بل ترى ضباباً.. ليس كل ما ترى حقيقة، المرآة تعكس لك الصورة التي تقف أمامها، اليتيم لا يستطيع أن يشعر بمعنى العائلة، والمريض لا يشعر بغير التعب، والعاشق لا يحس بما حوله إذا رأى محبوبه، والشاعر يكتب بما يشعر به ويكتب بما يشعر به الآخرون: أيا ترى سُمي شاعرٌ لهذا السبب؟ الحرب دائمًا لا تؤدي إلى السلام، كتاب تقرأه كل فترة لا تشعر بملل من قراءته؛ لأن من كتبه ساحر يتلاعب بالكلمات.. وليس بالضرورة أن ما سجل في هذا الكتاب حقيقة، تتخيل وأتخيل أنا، تحب هي وأكتب أنا، تنفض صديقتي قلبها قهراً وتعباً وأنفض حبري غضباً وحزناً، تموت بطلة الفلم وأنكسر أنا... ضباب ما حولي، ولكني أرى. وهنا أتساءل لماذا لا تحتضن هيئة الثقافة والفنون والآثار هذه المواهب الشابة، وهي المسؤولة عن الكتاب والمبدعين، وتحاول أن تنشر لهم إصداراتهم دون أن يرهقوا هم بمصاريف الطباعة والتصحيح والمراجعة كما أرهقت سارة. والكتاب مليء بالأفكار والخواطر الجميلة.. وهو كتاب يستحق أن يقرأ ليعيش القارئ فترة من الوقت مع كاتبة سودانية شابة اسمها سارة علاء الدين محمد الفضل.