رحل عن دنيانا الفانية، الوزير والسفير والأديب هشام محيي الدين ناظر، احد أبناء هذا الوطن الذين ساهموا بجهدهم وفكرهم وعملهم في نهضته ونموه، كان محل ثقة جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله حين اختاره رئيسا للهيئة المركزية للتخطيط وهي النواة لوزارة التخطيط، وقاعدة انطلاق أول خطة تنموية خمسية، وضعت الأسس العلمية والمنهج القانوني والجدول الزمني لمرحلة التنمية الشاملة، وربطت بها كل اعمال ومشاريع الدولة، كنت في أولى سنوات عمري الصحفي اتردد على مكتب الهيئة في الرويس على طريق المدينة، لأخرج بأخبار كانت جريدة المدينة تنفرد بها قبل واثناء وبعد خطة التنمية الخمسية الأولى، والتي وضعت للأعوام (1970-1975م) ولا أزال أذكر حتى اليوم درسا تلقيته من الأستاذ هشام ناظر عقب صدور الخطة، فقد دخلت اليه في مكتبه مهنئا، وسألته سؤال التلميذ في السنوات التمهيدية للمدرسة الصحفية عن الخطة، فبادرني بسؤال تلعثمت في الإجابة عليه حيث قال لي: هل قرأتها؟ فأجبته بالنفي، وانا أكاد أذوب في ثوبي، فابتسم ابتسامته المعروفة عنه، والتي لا تخلو من لسعة نقد خفيفة، مع تخلص دبلوماسي من أي ظهور إعلامي، كان لا يحبه ويبتعد عنه كثيرا، وقال «اذهب واقرأها.. فالصحفي لابد أن يكون عارفا بما يطلبه من معلومات» وغادرت مكتبه بعد هذا الدرس الذي جعلني لا اطرق كصحفي أي باب، إلا وانا محيط بما يتوفر من المعلومات عنه. حياة هشام ناظر العملية استمرت أكثر من أربعين عاما، قضى منها قرابة ربع قرن عضوا في مجلس الوزراء، وحفلت فترته بإنجازات عظيمة شهدتها بلادنا على يد قادة بلادنا الذين عاصرهم، وكم تمنيت أن أكتب سيرته بعد أن أخلد للراحة قبل وبعد تعيينه سفيرا في القاهرة من خلال لقاءات تلفزيونية لراديو وتلفزيون العرب (art) أو لقاءات صحفية درجت عكاظ على نشرها في حلقات متعددة، لكنه رحمه الله كان يعتذر لي، ولما ألححت عليه قال إنه مشغول بكتابة مذكراته والتي لا يريد أن يسبقها أي نشر إعلامي، ولأنها لم تظهر، فإني أتمنى أن يخرجها ابنه الأكبر «لؤي» الى مكتبات العالم، فهو شخصية لا تنسى ولا تغيب عن تاريخ بلادنا. رحمه الله وجعل الجنة مثواه.