لأجل ماذا تريد أن تتوج أميركا والغرب إيران كقوة إقليمية نووية وحيدة في المنطقة؟ على رغم كونها أكثر دول الإقليم قمعاً للحريات العامة، وأسوأها في التعامل مع الأقليات، وأولها تأخراً في تنمية بلدها، بل وأكثرها إضراراً بمصالح الغرب حول العالم. إنه السؤال اللغز الذي حير المنطقة كاملة، ويحتاج إلى إجابة وافية، بخاصة أن إيران كانت أول الدول التي قمعت ربيعها الأخضر، وقتلت وسحلت شبابها المتطلع بشغف نحو الحريات، بل ورمت برموزها السياسية في المعتقلات، والذين كان من ضمنهم رئيسها الإصلاحي السابق محمد خاتمي. إذاً يبدو أن ميزان الحريات السياسية التي يعامل ويجلد بها الغرب دول المنطقة تقف أمام أبواب كسرى، وتعود أدراجها خائبة. كما أن موازين السياسة وثقل الأدوار التي يمكن أن تلعبها الدول تغيرت أيضاً، فليس بالضرورة أن تكون مزوداً ومصدراً للطاقة، حتى ولو كنت مؤثراً في يوم من الأيام، بخاصة مع دخول مصادر أخرى للنفط، وبالتالي أصبحت مزوداً من ضمن المزودين، ولم تعد الأهم. وهو ما فهمه الإيرانيون بالضبط، فقد توجهوا إلى الإمساك بأوراق لعب سياسية مهمة، تمكنهم من تحريكها في ما يخدم مصالحهم بالنهاية. فأمسكوا منذ وقت باكر برقبة لبنان، وهددوا طوال ثلاثة عقود المصالح الإسرائيلية، ثم خنقوا أميركا في أفغانستان والعراق، وجعلوا من تعاونها معهم حتمياً، لتقليل الخسائر على أرض الموت الأفغانية والعراقية. لكن الجائزة الكبرى التي تحصلت عليها إيران في غفلة من الإقليم، كانت بلا شك في سقوط بغداد عاصمة الرشيد بعمقها التاريخي والقومي في الأيدي الفارسية، وهو ما فتح لإيران لاحقاً باباً واسعاً لابتلاع عاصمة الأمويين دمشق. بالطبع ليست تلك كل أوراق اللعب التي تتحكم بها إيران، فهناك الحوثيون في اليمن، وهناك حركة الجهاد في غزة، وإلى حد ما حركة حماس، وتنسيق كامل مع جماعة الإخوان المسلمين في تنظيمها العالمي والمحلي. كانت تلك أوراق لعب حادة، حدة الألم، وجد الأميركي نفسه معها أمام تغير كبير صنعته يداه للمنطقة، وعليه أن يتحمل آلامها لوحده. ولأجل أن يتم أمره المبيت بليل، كان لا بد له من أن يتخطى كل تلك السيوف الإيرانية، فهل نحن ملزمون بأن ندفع ثمن العرس الإيراني الأميركي؟ بالتأكيد: «لا». فإيران ذات العمق الفارسي والبعد الشيعي، يجب أن يقابلها وينافسها ويضادها مشروع في القوة نفسها إن لم يكن أقوى وأهم، إنه المشروع العروبي ذو البعد السني. وإذا كانت إيران تقود 300 مليون من أعراق مختلفة وهوية دينية شيعية، فعدد سكان المملكة يزيد على بليون نسمة، هم كل أولئك العرب والمسلمين السُنة حول العالم. هذا العامل الإلهي الذي حباه الله للمملكة، يجب ألا يغفله ولا يستهين به أحد، فالحرمان الشريفان سيبقيان عاصمتين للتوحد العربي والإسلامي حول السعودية. لكن ما الذي يجب أن تفعله السعودية أيضاً خلال الأشهر إن لم يكن خلال الأسابيع المقبلة، للبقاء في قمة الإقليم على رغم المشروع الأميركي. فكما فعلت المملكة دور منظمة المؤتمر الإسلامي لمقاومة المد الشيوعي واليسار في العالم في الستينات والسبعينات الميلادية، تستطيع اليوم أن تفعل دور الإقليم العربي، وتحتضنه من جديد، وتكون بلسمه الذي يداوي جروحه وآلامه، وتشتت شعوبه. اليوم تقف السعودية كأكثر الدول تأهيلاً لقيادة هذا الإقليم العروبي، فالعراق ذهب بلا رجعة، وسورية تغوص في حرب أهلية لا نهاية لها، ومصر لم تستعد عافيتها بعد، وبقية الدول إما تدور في متاهات الخريف العربي، أو أنها غير مؤهلة بالأساس لهكذا دور. الوقوف أمام المشروع الأميركي لا يعني محاربته بقدر منافسته والتفوق عليه، وهذا يستلزم استعادة الدور الريادي للأمة العربية من جديد، وإطلاق طاقاتها الاقتصادية، وموقعها الإقليمي في مواجهة التحالف الفارسي التركي وتوابعهم من تنظيمات إسلامية سنية وشيعية، إنه قدر المملكة ولا فرار منه. محمد الساعد رابط الخبر بصحيفة الوئام: السعودية وإيران بعيون أمريكية..!