كل ضحية للإرهاب، هو أخ لنا وللإنسانية جمعاء، مهما كانت ديانته أو قوميته أو جنسيته، وكل إرهابي محب للقتل، هو عدو لنا وللإنسانية، لأنه عدو للحياة ولجوهرها، فلو خُلقنا لنقتل بعضنا بعضاً، ونسحق بعضنا بعضاً، لكانت الحياة عبثاً بلا جدوى. ولكننا خلقنا لنعمر الكون، ونعلي شأن الحياة، ونستبقي النفوس التي خلقها الله تعالى، بغض النظر عن موقفها منا أو مما نعتقد، بل بغض النظر عن موقفها من خالق السموات والأرض، إيماناً وكفراً (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). ونبقى بمجموعنا، نحن البشر، نستحق الحياة بعنوان خلق الله تعالى لنا، ولا يملك أي مخلوق بأية صلاحية أن يهدم بنياناً أذن الله تعالى له بأن يكون إنساناً (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). هذه العقيدة التي نؤمن بها، لأنها عقيدة إنسانية بامتياز، علمنا إياها الإسلام بنصوص قاطعة واضحة لا تقبل التأويل، وهي التي تربينا عليها، نحن هنا أبناء دولة الإمارات، بفضل الله تعالى، فأفرزت في حياتنا تعايشاً يشهد له العالم جميعاً، لأكثر من مئتي جنسية بأديانها وإثنياتها وقومياتها وأفكارها، ولا يجمعها إلا قاسم مشترك عظيم في جوهره، وهو الإنسانية، والرغبة في الحياة وعمارة الأرض. تؤلمنا بلا شك، أخبار المجرمين الذين ينتحلون شعارات الإسلام بين الحين والآخر، حين يروّعون الآمنين ويقتلون الأبرياء باسم الدين، وكان آخرها، ما حدث في باريس، من أناس قادرين على أن يفجروا أنفسهم في الأبرياء، وهم يصيحون بشعارات الإسلام، هذا الدين الذي نحت اسمه من السلام، وشعاره السلام، وتحيته السلام. وجاء بالسلام والرحمة للعالمين، ثم يأتي من يحمل هذا الدين بزعمه، ليصدّر من خلاله الإرهاب والقتل والدمار، فأي لوثة هذه، وأي تفسير أعمى يحمل أمثال هؤلاء نحو سفك الدماء والإفساد في الأرض، وأي أهداف إنسانية يحملونها، بل أي رسالة يريدون إيصالها للعالم، من وراء هذه الأفعال. لعل أبسط رسالة يريدون إيصالها، هي تشويه صورة هذا الدين الرحيم بالعالمين، وربما نجحوا في بعض الأحيان بإيصال هذه الرسالة، ولكنهم سيفشلون بلا شك، لأن المسلمين جميعهم لا يعرفون هذا الدين الذي يروج له أمثال هؤلاء، وإن تسموا بالإسلام وحملوا شعاراته، فسيبقى الدين أنقى من هذا الإجرام، وستبقى الحياة للراغبين في تحقيق مراد الله تعالى من خلق الإنسان في عمارة الكون. الإرهاب لا يعرف ديناً ولا أرضاً ولا مبدأً، لأن فلسفته تقوم على إفناء الآخر المخالف، ومواجهته لن تكون بالمزيد من الإجراءات الأمنية، وهي ضرورية بلا شك، لأن هذا السرطان القاتل، سيجد له في كل مرة ما ينفذ به إلى أوساط الآمنين، فيضرب هنا وهناك، بلا رادع، ولا أقل من أن يفجر نفسه بين الآمنين. إن مواجهة الإرهاب لا تكون أيضاً بالمزيد من الشعارات الرنانة، والتبرؤ منه على منابر الإعلام، وكأنه سيخجل من هذه المواقف ويوقف مدّه التدميري لسماعه بعض الكلمات المنددة أو المهاجمة، لأننا ببساطة، أمام كائن إجرامي لا ضمير له، ولا عقل. إن مواجهة الإرهاب، تتطلب تعاوناً عالمياً جاداً، بالوعي أولاً بقيمة الإنسانية ومبادئ الرحمة التي تجمعنا، وتكون ثانياً بالتعاون العالمي الجاد على إخماد نار الملفات الدولية الملتهبة، التي ينفذ من خلالها هؤلاء المجرمون ويجدون مادة خصبة لتجنيد المزيد من المغرر بهم لنصرة أفكارهم، والنقمة على الشعوب الآمنة، فكل من يتباطأ عن البحث الجاد عن خلاص لمعاناة بعض الشعوب من الظلم أو الجور أو القتل والتشريد، هو شريك بشكل أو بآخر في صناعة الإرهاب، لأنه يمهد الطريق أمام الناقمين ليطلوا برؤوسهم بين الحين والآخر.