تتعرض مصر، الحضن الأكبر للتاريخ العربي والإسلامي، لتضييق خانق في مصادر الرزق ولتحديات أمنية مجهولة التمويل والتسليح على حدودها الشرقية والغربية. وفي نفس الوقت تتعرض المملكة العربية السعودية، الحاضن الأول والأهم للإسلام والعروبة لهجمات منظمة من الإعلام البريطاني واليهودي والأمريكي والإيراني، ولمحاولات الإبتزاز والتحريض على زعزعة التعايش الداخلي كذلك من نفس المصادر، بالإضافة إلى ما تتعرض له من جرائم التنظيمات الإرهابية التي يستمر التساؤل عن ارتباطها أيضا ً بالأجندات الأجنبية مشروعاً، انطلاقا ً من تشابك المصالح بين السياسة والإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات ومراكز الجاسوسية. بعد تحطيم العراق وتذويب انتمائه العربي التاريخي لصالح إيران، وتمزيق سوريا لنفس الهدف، وتسليم ليبيا للميليشيات المتصارعة بعد مصادرة ثورتها الشعبية على الدكتاتور، وبعد تجنيد الحركة الحوثية الطائفية مع بقايا الرئيس اليمني السابق الخائن، بهدف إكمال الطوق الخانق على العرب من الجنوب، بعد ذلك كله تحولت أهمية الدفاع عن النفس إلى مسألة حياة أو موت للعرب، ديانة ً وتاريخا ً وجغرافيا. ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله - أدرك الخطر مبكرا ً، يؤازره بنفس التصميم والقناعات القسم الأهم من دول مجلس التعاون والدول الإسلامية. عاصفة الحزم المتحالفه كانت مطلبا ً عربيا ً واستجابة ملحة غير قابلة للتأجيل، لدرء الخطر المحدق من الجنوب بعد أن تهاوت الحصون العربية في الشمال. كمتابع فرد لا أستطيع الجزم بإدراك القيادة السياسية في مصر لطوق الخطر المحدق بالمنطقة العربية بما يكفي لتعديل مواقفها تجاه النظام السوري وإيران، وبما يكفي لنظرة أشمل حيال التدخل الروسي في سوريا وتسليم صفقة صواريخ توبول 300 لإيران، وللتراخي الواضح في السياسات الغربية تجاه ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا، وأخيراً لما حصل من مقاطعة منسقة وجماعية للسياحة المصرية بعد سقوط طائرة روسية في سيناء، سقطت قبلها طائرات كثيرة في أنحاء العالم بركابها المدنيين، ولم تثر زوابع مقاطعة منسقة وخانقة بنفس الطريقة. مقاطعة السياحة المصرية من قبل الأوروبيين والأمريكيين والروس في توقيت واحد تعني انزلاق الاقتصاد المصري إلى الأسفل بأكثر من مليار دولار في الشهر على الأقل، أو ما يزيد على اثني عشر مليار دولار في العام. هذا المبلغ كبير جدا ً على دولة يعيش الملايين من سكانها على الاقتصاد السياحي وتفتح ثغرة كبيرة في قدرة الدولة المصرية على التنمية وحفظ الأمن. كلمة الرئيس المصري في مؤتمر الدول العربية والأمريكية الجنوبية الأخير في الرياض أيقظ الأمل في توجه سياسي مصري جديد تجاه ما يواجهه الأمن العربي من توترات تستوجب التنسيق السريع بين مكوناته وتأجيل الحساسيات البينية لما بعد زوال الخطر المحدق. ركز الرئيس المصري في كلمته على ما تعنيه خلخلة الدولة المصرية من أخطار، ليس للمصريين فقط وإنما للعرب وللمنطقة وللعالم، مما يوجب التصرف بناء ً على ذلك، وقد اتضح أنه لا غنى للعرب عن بعضهم البعض. أغتنم الفرصة هنا على هامش أهمية السياحة للإقتصاد المصري لأطرح جملة اعتراضية لا دخل لها بموضوع المقال. أتمنى على سلطات السياحة المصرية أن تتعامل بجدية وعدالة مع التفرقة القيمية التي تمارسها المرافق السياحية في مصر مع السياح العرب وخصوصا ً الخليجيين، عندما تعطي أفضلية المعاملة والخدمة والأسعار للسياح الأجانب غير العرب، وخصوصا ً الخواجات. التعذر بفوارق التهذيب وحسن التصرف ليست مقنعة ولا صادقة، لأن بين السياح الغربيين والروس من يمارس من التعديات اللفظية والأخلاقية في مصر ماهو أكثر بمرات من ما يحدث من بعض السفهاء والجهلة من السياح الخليجيين. انتهت الجملة الاعتراضية زبدة المقال : الدول القطرية المكونة للجسد العربي تتهاوى سريعا ً، والخطر يزحف بسرعة نحو البقية. على مصر والسعودية كحاضنتين للإسلام والعروبة واجب التنسيق الاقتصادي والدفاعي والهجومي الاستباقي إذا دعى الأمر ومهما كلف ذلك من ثمن. حينما تبادران إلى القيام بهذا الواجب التاريخي سوف تلحق بهما الدول القطرية العربية الأخرى، إما راغبة بذاتها أو بضغط من شعوبها. في حالة التنصل لا سمح الله من هذا الواجب علينا جميعا ً أن نتحمل لعنة الله المستحقة. ملاحظة أخيرة: علق قارئ كريم على مقالي عن الطائر الجبان الذي يذرق في عشه، متصورا ًأن كاتب المقال قد تحول إلى جدة في الطرح بينما كان المعروف عنه ازدراء الناس منذ فترة ليست بعيدة، وأنه تسبب بتحطيم الكثير من الآخرين عبر هذا المنبر، إلى آخر تعليق القارئ. أقوله له بكل ود أنه ربما يقصد كاتباً آخر. إنني أكتب منذ سنوات في هذه الزاوية وتصلني ردود كثيرة ولم يشعرني قارئ قبله بهذا الإنطباع، علما ً أنني مستعد لتقبل النقد القائم على الدليل بكل رحابة صدر.