ظلال غائرة عكسها خطاب العرش الأردني، الذي ألقاه الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة البرلمانية الثالثة، لمجلس الأمة بشقيه النواب (غرفة الشعب) والأعيان (غرفة الملك)، تاركاً انطباعاً يشي بـعزيمة، ما فتئ يعرضها بين كلمات خطابه، رغم ما تشهده المنطقة من وقائع تلوّح مستقبل تائه. الخطاب الملكي، أو خطاب العرش وفق التسمية الدستورية، راوح في شقه السياسي بين سياقات ثلاثة، دولية وإقليمية ومحلية، ترجمت كلّها رغبة بالمضي قدماً، فيما جاء شقاه الاقتصادي والاجتماعي ليكملا الصورة، ويدفعا بها إلى حافة أمل تغيب عن ذهن المتلقي، أردنياً كان، أم عربياً وأجنبياً. وأياً كان الواقع، العاهل الأردني لم يغادر -بكلماته وجأشه- حدود العرش البروتوكولية، بوصفه الضامن لواقع السلطات والدولة ومستقبلها، وهو ما اعتاد عليه ملوك الأردن منذ عبدالله الأول، مروراً بطلال فالحسين، ووصولاً إلى عبدالله الثاني في المملكة الرابعة. عناوين عدة، تناولها الخطاب، كل منها في حقيقته يشكل ثقلاً على مملكة يحيق بها طوق من نار، إلا أنها عناوين تقليدية، طالما تحدث بشأنها العاهل الأردني. الإرهاب ومحاربته، وهو عنوان المرحلة ووظيفتها، ويضطلع الأردن فيه بدور فاعل، شكّل عنواناً بارزاً في كلمة الملك، الذي اعتبره الخطر الأكبر على المنطقة، دون أن يغفل أنساقه الدولية، التي نسجت أخيراً للموت خيوطاً في باريس، مدينة النور والجمال. ورأى الملك عبدالله الثاني أن الإرهاب العابر من المنطقة إلى العالم تحد يستدعي التعاون الإقليمي والدولي، ما يعكس الوجهة الأردنية في مواصلة محاربة الظاهرة ضمن جهد دولي جاد. ولكن العاهل الأردني اعتبر أن مواجهة الإرهاب في الأساس معركة المسلمين ضد من يسعون لاختطاف مجتمعاتنا وأجيالنا نحو التعصب والتكفير، معتبراً أنها حربنا، مرجعاً ذلك إلى استهداف الإرهابيين للمسلمين قبل غيرهم. وفي الملف السوري، جدد العاهل الأردني الحديث عن موقف بلاده الداعي إلى حل سياسي، وقال نجدد التأكيد على موقفنا الداعم لحل سياسي شامل، لإنهاء معاناة طال أمدها، وبمشاركة جميع مكونات الشعب السوري، لضمان وحدة سوريا واستقرارها ومستقبلها. الموقف الأردني من سوريا ظل يراوح في دائرة الحل السياسي، دون موقف واضح من نظام بشار الأسد، ودون الدعوة إلى رحيله كمقدمة لإنهاء دوامة العنف الدائرة، ما يجعله يتجاوز دماء السوريين التي سالت على مدى قرابة خمس سنوات، هي عمر الثورة السورية. فلسطينياً أكد أن القضية الفلسطينية ستظل القضية الأولى على أجندة الدبلوماسية الأردنية، لمركزيتها وعدالتها، وباعتبارها مصلحة وطنية عليا؛ وستبقى القدس، من منطلق مسؤوليتنا الدينية والتاريخية ووصايتنا على الأماكن المقدسة فيها، أمانة حملها أجدادنا، وسيحملها أبناؤنا وبناتنا. وتعقيباً على الخطاب الملكي، قال عضو مجلس النواب الأردني د. مصطفى ياغي، لـاليوم، إن الملك عبدالله الثاني استعرض في خطابه ملامح المرحلة المقبلة، ووجه إلى الملفات الهامة بالنسبة للمملكة، التي جاء على رأسها الإرهاب ومجريات الوقائع الإقليمية، سواء في سورية أو فلسطين، وأيضاً ملفات الإصلاح والقوانين الإصلاحية، إضافة إلى الاقتصاد. في المقابل، قال الكاتب والخبير بالشأن الأردني راكان السعايدة، الذي استطلعته اليوم حول خطاب العرش الأردني، إن الخطاب لم يأت بجديد، نتيجة لمراوحة الإقليم في عين العاصفة، ما يحول دون تقديم رؤى مغايرة عن خطابات سابقة.