يعتبر أطباء الصحة النفسية القلق المعتدل من الظواهر الطبيعية التي لا غنى عنها للإنسان الطبيعي حتى ينعم بحياة عادية متوازنة وحتى يحقق فيها كل آماله وطموحاته، كما يعتبرون الشخص الذي لا يعتريه القلق حيال مشكلة ما أو تطلعات محددة شخصاً يعيش على هامش الحياة فاقداً للمشاعر الإنسانية الطبيعية، إذن فهناك حدود معروفة للقلق لا يجب تجاوزها، تتجسد هذه الحدود كما يقول الطب النفسي في بعدين، أحدهما زمني والآخر معنوي، الحد الأول يهتم بالمدة التي يعترينا خلالها القلق، فإن لم تزد الفترة الزمنية على 6 شهور فيمكن اعتبار ذلك النوع محفزاً إيجابياً على النجاح والتميز، وإن زاد على ذلك فهو من النوع المرضي الذي يستوجب استشارة الطبيب. أما البعد المعنوي المقصود فهو تأثيره السلبي في مجريات الحياة اليومية، فالقلق الإيجابي الذي يدعمنا من المفترض ألا يعيقنا عن القيام بمهامنا اليومية على اختلافها وتنوعها، بداية من الأنشطة الرياضية الصباحية وحتى مشاهدة التلفاز مساء قبل النوم، مع ملاحظة أن الشخص المصاب بالنوع المرضي يصعب عليه تحديد موقفه وموقعه بالضبط من النوعين، بينما يستطيع المحيطون به القيام بذلك بسهولة تامة. ويشير العلماء إلى أن القلق سلوك فردي قائم على حفظ الذات وتنميتها وحماية مكتسباتها، ويعتبر من السلوكيات الإيجابية، فالطالب عندما يقلق بسبب قرب موعد الامتحانات ويقرر السهر لوقت متأخر من صباح اليوم التالي لاستذكار دروسه يعتبر مثالياً، والموظف الذي يقلق مع ارتفاع حجم تكليفاته المهنية من جانب مديره، ويجتهد لإنجاز مهامه الوظيفية بكفاءة يعتبر موظفاً كفؤاً، كذلك الشخص الذي يعتريه القلق نتيجة وجود منازعات عائلية يعتبر ذلك شخصاً سليماً نفسياً، إذ أن مشاعر القلق خط دفاعي متناسق ينتجه الجانب النفسي في الجسم للتغلب على مشكلة ما أو الحصول على مكاسب متوقعة. ومن العجيب أن مشاعر القلق التي تعترينا عند الوقوف في موقف صعب تؤدي إلى انفعالات وتغيرات على المستويين العقلي والجسماني، فمن الطبيعي أن تتحرك المعدة حركة انفعالية وترتفع ضربات القلب ويزيد معدل التنفس. والقلق الطبيعي ليس مجالاً للدراسة على اعتبار أنه حالة عادية وليس مرضاً، بينما القلق النفسي يمكن تعريفه بأنه حالة من عدم الاستقرار تبدأ عادة من دون سبب واضح أو لسبب تافه لا يرقى إلى أن يؤدي عادة إلى تلك النتائج، وتظهر أعراض فسيولوجية بوضوح أهمها مخاوف مبالغ فيها وتغير في عادات الطعام من شهية مفتوحة إلى عزوف عن الطعام، أو ربما العكس، مع عصبية غير عادية وتوتر ظاهر طوال اليوم وارتفاع في نبرة الصوت مع الحركة الدائبة واضطرابات في النوم تتضمن إما نوماً طويلاً من دون مواعيد أو ضوابط أو على العكس سهراً طويلاَ ونوماً قصيراً من دون سبب واضح أو دافع قوي، مع زيادة في النبض والتعرق، وربما يظهر العرق في عز البرد، وربما تؤدي حركة المعدة إلى زيادة إفرازها لحامض الهيدروكلوريك الذي يسبب آلاماً خاصة إذا كانت المعدة خاوية من الطعام، مع صداع يستمر لفترات طوال وضيق في التنفس يظهر في الغالب مساء كل يوم، وتشمل الأعراض النفسية للقلق العصبية الزائدة وارتفاع نسبة الوساوس وربما التخيلات المبالغ فيها والتوجس وتوقع أسوأ السيناريوهات، وفقدان الثقة في المحيطين وربما في الذات. واختلف العلماء في تحديد الأسباب المباشرة للقلق، إلا أن هناك مجموعة من الأسباب يمكن اعتبارها مسؤولة عن 99% من حالات القلق النفسي المرضية التي تصيب بني البشر، إذ تعتبر الناقلات العصبية سبباً مباشراً في نوبات القلق، علاوة على بعض العوامل الوراثية، والبيئة المحيطة بالشخص سواء بيئة العمل أو المنزل، إضافة إلى عوامل فردية تختلف من شخص لآخر مثل التجارب الصادمة خلال مرحلة الطفولة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، أو قسوة أحد الوالدين أو كليهما علاوة على التنشئة الاجتماعية غير الطبيعية بعيداً عن الأهل الطبيعيين، واعتبر قلة من العلماء أن الوراثة تلعب دوراً في الإصابة بالقلق. على أن القلق مرض شبابي كما يقول العلماء، حيث يصيب المراحل السنية ما بين الثانية عشرة إلى الثلاثين، ويندر أن يصيب ما دون ذلك أو فوقه، كما أنه مرض نسائي أكثر منه رجالي لأن معدل إصابة النساء مقارنة بالرجال يقترب من الضعف، وأخيراً يمكن الربط بين طبيعة الشخصية والإصابة بالمرض حيث تزداد المعدلات بين الشخصيات شديدة التحسس والتي تتعامل مع الواقع ومع الآخرين بحذر شديد. ومن الضروري عرض الشخص المصاب بالقلق على الطبيب المختص لتحديد المرحلة التي يمر بها والعلاج المناسب، ومن حسن الحظ أن الحالات في بدايتها تكون سطحية ويمكن التغلب عليها باستخدام العلاج النفسي التحفظي من دون اللجوء إلى أدوية أو عقاقير، ويستطيع الطبيب المختص بسهولة تامة الوقوف على أسباب القلق من خلال مناقشة المريض أو بالتحليل النفسي، أو باستخدام طريقة الأسئلة الاستبيانية، حتى يقرر طريقة العلاج، أما إذا كان المريض وصل إلى مرحلة أعلى من المرض فيلجأ الطبيب إلى الاستعانة ببعض العقاقير المطمئنة والتي يستخدمها المريض لفترة مؤقتة لا تزيد على شهرين أو ثلاثة، حتى يسترد ثقته بنفسه ويقضي على مظاهر القلق، وفي الحالات الشديدة يصف الطبيب الأدوية المهدئة لمقاومة المرض، مع ملاحظة أن إهمال العلاج أو التأخر في اكتشاف حدوثه يؤدي إلى مزيد من المضاعفات الخطرة التي ربما تشكل خطراً على حياة المريض والمحيطين به، ويعتبر الاكتئاب أحد أخطر مضاعفات القلق، علاوة على نوبات الهلع.