من بعيد يبدو الفارق كبيراً بين الكاتبين الصحفيين، ولكن ثمة مشتركات بين محمد حسنين هيكل وبين عبدالباري عطوان.. فالأول اقترب من عبدالناصر وأصبح مُنظِر الناصرية، والثاني اقترب من عرفات فأعطاه رئاسة تحرير جريدة. الأول بدَّل قميصه الناصري بعد أيام قصيرة من وفاة الزعيم الذي بوأه المنصب وأهداه الشهرة وليلبس القميص الساداتي ويدخل في معارك مع المحسوبين على الناصرية في نظام عبدالناصر علي صبري وشعراوي جمعة ومحمد فوزي، والثاني اختار كل القمصان من كل الألوان. الأول كان ضيفاً دائماً على الجزيرة وكذلك الثاني.. وفي زمن مقلوب تخلصت الجزيرة منهما على نحوٍ مفاجئ. تماماً كما تخلت الأهرام عن هيكل تخلت القدس العربي عن عبدالباري. وروى الاثنان منهما نفس السيناريو عن مؤامرة حيكت ضدهما لترك الصحيفة الاهرام والقدس. اقترب الأول من القذافي واطلع على الكتاب الاخضر نظرية معمرّ وعدَّل وأضاف في الكتاب قبل الطبع، وكذلك فعل الثاني عبدالباري حين صار ضيفاً دائماً على طرابلس، وكم شوهد في الخيمة الشهيرة. فلسطين كانت العنوان المشترك بينهما الذي استثمراه جيداً.. فالأول هيكل خرج الى هناك مبكراً ليغطي حرب عام 1948 النكبة، والثاني عَنْوَن جريدته باسم القدس العربي فكان ما كان من استثمار كلٌّ على طريقته. أمّا المشترك الأهم بينهما والمشترك الأبرز الذي يسكنهما حتى النخاع. فهو العداء الدفين لأنظمة الحكم في خليجنا العربي. عداءٌ غير مفهوم للكثيرين وغير مبرر للعديدين. ولكن لهيكل أسبابه التاريخية لهذا العداء، فيما لعبدالباري أسباب طارئة تتعلق بـ الكاش مني مباشرة فهو يساوم ليشتغل على موجة مع أو ضد. هيكل يلعبها بذكاءٍ محترف لكنه في الأسابيع الأخيرة كشف عن عداء أدار به جميع أحاديثه في محطة السي بي سي المصرية الخاصة وانطلق دون ان يفرمل في هجوم أساء له قبل ان يسيء للدول التي هاجمها وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي يبدو أن إرث العداء الساكن في أعماقه قد طفح في آخر عمر الرجل الذي جاوز التسعين من مواليد 1923، وما زال مصراً ومعه البعض طبعاً على انه مُنظِر ومفكِرُ كل المراحل. في برنامجي التلفزيوني أثناء أزمة الدوار تصديت في احدى الحلقات لتصريحات عبدالباري عطوان التي تمس البحرين وسيادتها واستقلالها، وكشفت لعبة المال التي تحرك الرجل، ويبدو ان الكلام أصابه في الصميم فرفع سماعة التلفون ليحدث الاعلام، وقال للمسؤول الذي كلمه يا عمي بدنا نخدمكم بس انتوا ما تدفعوش. هيكل قال في مقابلة صحفية وبعد صدور جريدة الشرق الأوسط إنهم قدموا لي شيكاً على بياض وطلبوا أن أضع المبلغ الذي يروق لي لأكتب في الجريدة ولكنني اعتذرت. ونفت آنذاك مصادر قريبة من الشرق الاوسط هذه الحكاية جملةً وتفصيلاً وفسرّها البعض ممن يعرف كيف يفكر هيكل بأنها عرضٌ منه للكتابة في الجريدة وهو عرضٌ على طريقة القبول والاستعداد بالتمنع!!! هيكل زار البحرين مبكراً في منتصف السبعينات وزار الكويت وزار قطر كثيراً، ولكنه لم يستطع عن طريقهم الوصول الى الرياض التي كانت هدفه من تلك الزيارات. وعبدالباري ظل مهمشاً من دول الخليج العربي بعد ان استغنت عنه الجزيرة. هيكل لم ينفعل ولكنه هاجم خليجنا، والثاني انفعل فهاجم بعصبية، وفي النهاية نحن أمام صحفيين اثنين يشتركان في الموقف المضاد والمعلن بشكل صارخ ضد أنظمة حكم المنطقة. هيكل قامة صحفية كبيرة لا جدال في ذلك، فيما عبدالباري عطوان لا يوازي من هم خلف هيكل بمسافات شاسعة في عالم الصحافة وفنون الكتابة ولكن جمعتهما عوامل نفسية وذهنية وبالتأكيد سياسية دفعتنا هنا للمقارنة فقط في هذا الجانب، خصوصاً العداء المشترك بينهما لدول خليجنا العربي الى الدرجة التي انحازا فيها وتحيزا للنظام الفارسي، وهما اللذان ظلا يعلنان على الدوام وباستمرار تمسكهما وإصرارهما على الخط القومي العربي. فكيف حدث ذلك..؟ سؤال شاخص لم يجيبا عليه ولن يجيبا.