×
محافظة المدينة المنورة

عام / حالة الطقس المتوقعة اليوم الاثنين

صورة الخبر

إبراهيم الملا (الشارقة) تثير المشاركات القليلة والنادرة لدور النشر المغاربية ذات السمعة الرصينة بمعرض الشارقة الدولي للكتاب الاستغراب، وتضع سؤالاً كبيراً ومحيراً، نظراً للرصيد المعرفي المهم والمتنوع والتراكمي الذي أسست له هذه الدور، حيث تستند لمعيار احترافي وانتقائي دقيق، يهتم بالنوع أكثر من اهتمامه بالكمّ، وينزع نحو تبنّي واحتضان العناوين الدالة والراكزة في قلب الأزمة الفكرية التي تعاني منها جلّ البلدان العربية، وما أفرزته هذه الأزمة من متاهات وصراعات خطيرة ومربكة لآليات التطور والتقدم والنماء الثقافي في الذهنية المشوشة للمجتمعات العربية. وتتصدر دار توبقال قائمة دور النشر المغاربية بالمعرض، فهي ومنذ إنشائها قبل ثلاثين عاما تقريبا من قبل الشاعر محمد بنيس مع أصدقائه الكتّاب محمد ديوري وعبداللطيف المنوني وعبدالجليل ناظم، امتلكت مساحة مميزة وحازت صيتاً جيداً في الوسط الثقافي، نظرا للمضامين الفكرية والجمالية العميقة التي تقدمها للقارئ العربي، إضافة إلى تصديها لترجمة الكتب الأجنبية اعتماداً على محتواها الثري والمدهش مقارنة بما هو سائد من ترجمات تسويقية رديئة عموما في بلدان المشرق. وللتعرف على أسباب هذا الحضور الطارئ وغير المتواصل بمعرض الشارقة، وللاقتراب من هوى وهوية الدار فيما يخص نوعية الإصدارات التي تتبناها وتضعها في أولوية خطة النشر لديها، التقت «الاتحاد» بالكاتب والمترجم عبدالجليل ناظم، مسؤول العلاقات الخارجية بدار توبقال في مشاركتها الثانية منذ انطلاق معرض الشارقة، حيث برر ناظم هذا الغياب بجملة أسباب وفي مقدمتها كما قال الوضعية الاستثنائية للمغرب في العالم العربي، وهي وضعية فرضها البعد الجغرافي، مشيراً أن الانتقال من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق العربي هو انتقال مكلّف خصوصا فيما يتعلق بأجور شحن الكتب، حيث إن دور النشر غير التجارية لا تتحمل مثل هذه التكاليف المرهقة لميزانيتها. وفي سؤال عن سرّ الحيوية الثقافية والفكرية المتواصلة في بلدان المغرب مقارنة بنظيراتها المشرقية، أجاب ناظم بأن السر يعود إلى عمق وتداخل وتمازج الثقافة المغاربية مع الثقافة الأوروبية، وما يتعلّق بالبعد الفرانكوفوني الواسع والمشبع بالتبادل الفكري ضمن الفرضية القائمة على نظرية التأثير والتأثر، مضيفا أن دول المغرب ظلت وستظل دائما في خط المواجهة الجغرافية والتاريخية المباشرة مع أوروبا، وهي مواجهة، كما وصفها، لها حدّان، أولهما سلبي يعود للعقلية الاستعمارية القديمة التي أفرزت ثقافة الانكماش، أما الحدّ الثاني الإيجابي فيتمثل في الحداثة أو التحديث على مستوى المناهج والدراسات النقدية والفلسفية التي انتقلت من أوروبا إلى الضفة العربية المقابلة لها. ونوّه ناظم إلى أنه دخل عالم النشر لا من زاوية مهنية، ولكن من زاوية بحثية لكونه أستاذا في جامعة محمد الخامس ومهتماً بالعلوم المعرفية، وقال: «المسألة الثقافية كانت حاضرة دوما في حياتي الجامعية، كما أن الخسارات والنكبات التي عصفت بالعالم العربي وفي مقدمتها هزيمة 67، ما زالت تشتغل في وجداننا إلى الآن». وبالتالي، كما أشار ناظم، فإن نقطة الضعف الأساسية في أوطاننا العربية والإسلامية، سببها غياب الثقافة الجادة، وضمور الجدل الحقيقي، وإسكات صوت النقد الذاتي والمراجعة الشفافة والصادقة والمحايدة لموروثنا الديني والتاريخي، ووصفها بالعناصر المهمة التي أهملتها النخب السياسية والثقافية العربية، فظلت الأخطاء الاستراتيجية الكبيرة والقاتلة مكررة وكأننا لم نغادر التاريخ بعد، بينما المستقبل لا ينتظر المتأخرين والقابعين في الماضي. وعن رؤية دار توبقال لمفهوم النشر اعتمادا على إصداراتها ذات النسق الثقافي النوعي والرصين، أوضح ناظم أن توبقال تسعى إلى تأسيس بنية ثقافية مختلفة عن ما هو سائد حول مفهوم النشر في العالم العربي، وذلك من خلال دعم ومساندة الناشر الجريء الذي لا يساير القارئ فيما يعرفه، بل يفاجئه بما لا ينتظره من معارف جديدة وعميقة في ذات الوقت، بعيداً عن فكرة إعادة إنتاج ما تم تداوله وتكريسه مسبقا، حتى لا يظل المثقف العربي قابعا في تلك المنطقة المعتمة من التكرار والاجترار التي لا تفضي إلى تماس مع أسئلة وتحديات المستقبل، واستطرد ناظم قائلا: «نحن في دار توبقال لسنا ضد الماضي، ولكن الناشر عليه أن يتبنى الكتب التي تقرأ وتحلل وتحاكم وتفكك هذا التراث».