بينما كنت أقرأ في كتاب عظماء ومشاهير صنعوا التاريخ للكاتب خالد عبدالله، استوقفني نبل فلاسفة اليونان وعلمائها قبل أربعمائة سنة قبل الميلاد، الذين وهبوا كل ممتلكاتهم وطاقاتهم لبناء حضارة وطنهم في مجالات عدة استمر عبقها إلى يومنا هذا، وامتدت أساسياتها التي نتمتع اليوم بمنجزاتها في كافة مجالات الحياة العصرية. أفلاطون مثلا الذي افتتح مدرسته على بستان البطل أكاديموس، ومنها اشتقت كلمة أكاديمية، التي وهب كل ممتلكاته وحياته لها طيلة أربعين عاماً، وهي المدرسة التي تخرج منها سقراط وأرسطو. وكذلك أبيقور الذي وهب حديقته كمدرسة وسميت بمدرسة حديقة أبيقور في عام 311 قبل الميلاد. حينها لاح لي مقال للكاتب خلف الحربي بعنوان (لو كان عندي شبك) في صحيفة عكاظ العدد 4333، الذي يتمنى على أصحاب الأراضي الشاسعة، بالتنازل عنها لإقامة مشاريع تنموية تخدم الوطن وأهله، خصوصا أن أصحابها في حلة ثراء لم ولن تؤثر في مستوى معيشتهم. في وطن يمر بأهم مراحل تكويره ويزخر بطفرة عمرانية، وتكاثر بشري وازدحام سكاني يصعب إيجاد مواقع مناسبة لتنفيذ مشاريع ضخمة ومتطورة وحديثة، تتماهى مع احتياجات الشعب وطموحه، وتطلعاتهم المستقبلية وتوجهات حكومتهم، مما تزداد معه الحاجة الماسة والملحة، لمثل تلك الأراضي الشاسعة والبكر ولكنها محجوزة. فبمثل تلك المشاريع التنموية والخدمية وحتى الترفيهية سواء كانت مشاريع صحية أو تعليمية (التعليم العام والعالي ومراكز الأبحاث والتقنية. إلخ) أو خدمية أو حتى ترفيهية التي ستساهم حتما في رفع قدرات الإنسان السعودي وبناء هويته وشخصيته لاستغلال قدراته العقلية الجسدية ليس فقط في خدمة مجتمع، وإنما للنهوض بوطنه ورسم ملامح حضارته في صورة إبداعية تستطيع الإنجاز والإنتاج في كافة متطلبات الحياة على الصعيد المحلي والعالمي. فالشباب السعودي تمكن واستطاع الوصول إلى العالمية في مجالات عدة حتى العلمية والتقنية في ظل إمكانيات بسيطة، فكيف به إذا وجد إمكانيات أفضل توفرها تلك المنشآت والمرفقات الحكومية ومشاريعها المختلفة التي تنتظم في منظومة بيئية وحيوية، توفر كافة الإمكانيات المعيشية والفكرية لصناعة إنسان سعودي ناجح وطموح ومبدع، وبلورة قدراته واستغلال طاقاته نحو الإنتاج، وبناء حضارة وطن ترضي غروره ويتباهى بها أهله. تلك المرفقات التي ستعمل كمنظومة واحده لحياة معيشية أفضل ترقى بفكر الإنسان السعودي وهيكلة بنائه. فهي ستُعِد إنساناً وتُهيئ فكراً، وتوفر حياة كريمة مريحة لا تشغل فكر أبنائها بما يعيق فكرهم أو يشل حركتهم أو يستنفذ طاقاتهم، سوى في البناء والإبداع والإنتاج. تلك هي الفكرة التي أتمنى على أصحاب تلك الأراضي الإيمان بها، والمشاركة فيها، ليس للتنازل عنها، وإنما لجزء ولو بسيط منها يساهم به، في خدمة إنسان وحياة شعب، وصناعة مبدع وحضارة وطن، أكرر.. جزء ولو بسيط من تلك الأراضي، فإن لم يكن من منظور وطني فليكن من منظور ديني كقربان لجنة عرضها السماوات والأرض، بإذن الله. فبسواعد الأبناء وكرم الآباء تنهض الأوطان، وعلى يابسة العطاء تُبنى الحضارات.