يسعى مهرجان العالم العربي في مونتريال، في اطار تعزيز الثقافة والفنون، الى تأسيس نواة لسينما عربية تستقطب منتجين ومخرجين وكتابًا تعرض اعمالهم بلغة الضاد التي قلما تجد لها مكاناً على شاشات المهرجان الكندية والعالمية. كما ان حضور الفن السابع العربي في كندا بات حاجة ماسة تستشعرها الجاليات لإبقاء صلة التواصل قائمة بين الاغتراب والأوطان الأم. وهذا العام تجلت المشاركة السينمائية العربية في المهرجان بأربعة افلام تعالج قضايا الطفولة المعذبة والمرأة التي فاتها الزواج ومعاناة الفلسطينيين من اكثر من احتلال. يتطرق فيلم «غدي» (إخراج اللبناني أمين درة وسيناريو وبطولة جورج خباز، وإنتاج لبناني قطري مشترك ومدته 100 دقيقة) إلى قضية طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعاني منذ ولادته من متلازمة trisomie» (ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني). وهذا الطفل يطل يومياً من نافذة شباك منزله على اهالي الحي فيزعجهم بصراخه شبه المتواصل. وتبقى حاله هكذا الى ان يضيقوا بتصرفاته ذرعاً. فحاول والده ليبا (جورح خباز) امتصاص غضب سكان الحي، وتهدئتهم، كاشفاً لهم ان غدي ملاك أرسله الله ليحرس الحي ويكفّر عن خطايا سكانه. الأمر الذي دفعهم لزيارته والتبرك به من تحت النافذة فيما هو يهزأ بهم ويطلب لهم الغفران. ومن الواضح ان هذا الفيلم على رغم الجانب الاجتماعي المأساوي للطفولة فيه، يجمع بين الطرافة والسخرية والإدانة للمجتمع الرافض الاعتراف بذوي الحاجات الخاصة وجهله كيفية التعامل معهم ويبيّن عجز مؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية عن توفير مدارس ومراكز تحتضهم وتؤهلهم وتسهل انخراطهم واندماجهم في المحيط الذي يعيشون فيه. عازبات أما مسألة العنوسة فيتطرق اليها فيلم «أعزب، متزوج، مطلق « من إخراج إيلي خليفة، وسيناريو نيبال عرقجي، ومشاركة عدد من ممثلين وممثلات لبنانيين. وهذا الفيلم كوميدي، درامي، يعالج قصة أربع نسوة غير متزوجات وصلن الى منتصف العقد الثالث من العمر. وهذه الظاهرة الآخذة بالتزايد (وصلت نسبة العازبات ممن هن في سن الزواج في لبنان مثلاً إلى حوالى 70 في المئة)، باتت حقيقة واقعة تشمل شرائح واسعة من النساء على اختلاف منابتهن الاجتماعية والثقافية والمهنية. والنساء الأربع هن طبيبة، ومصممة أزياء، وخبيرة تجميل نسائي وامرأة متحررة تعيش حياتها اليومية والعاطفية من دون قيود. وفي طريقه يفاجئنا الفيلم إذ يتوقف عند سن 37 سنة باعتبارها تاريخ انتهاء صلاحية النساء للزواج او كما يتردد على ألسنتهن» النسوان اللي قربوا عل الأربعين بتخلص مدتن». وقائع مأسوية يؤكد الفيلم على ان ايًا من بطلاته الأربع لم يعثرن على الزوج «اللقطة» الذي يحلمن به. فإحداهن التي بالكاد تعرفت الى فارس الأحلام بادرها بالقول بكل بساطة «انا مصاحب». ولم يكن حال صديقتها التي وقعت بشباك رجل متزوج ولديه اطفال افضل حالاً او تلك التي ذهبت الى بلد آخر لملاقاة حبيبها المزعوم فوجدته بالجرم المشهود في احضان امرأة اخرى. اما التي تتمرد على التقاليد فإنها تعيش حياتها كما تريد (تحب، تصاحب، تتزوج، تطلق) من دون ان يتحكم بها احد. وينتهي الفيلم بخروخ النسوة من لعبة الحب والزواج ولسان حالهن يردد ان «حبل الكذب عند الرجال قصير» فهم يعشقون الجنس ويعتقدون بأن المرأة رهينة بيد الرجل. ولا يتورع بعضهن من اطلاق بعض العبارات النابية، وتحذير بنات جنسهن من مغبة الثقة العمياء بالرجال اللاهثين وراء المتعة والشهوة. ويبقى الفيلم صورة من صميم الحياة الاجتماعية اللبنانية والعربية. ويتصدى لظاهرة تأخر سن الزواج والقلق الذي يرافق الفتاة اللبنانية التي لم تنصفها التقاليد ولم تنقذها الحداثة. وفي سياق متصل بالزواج يعرض فيلم «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة»، للمخرجة اليمنية خديجة السلامي - انتاج فرنسي يمني درامي وروائي طويل 99 دقيقة، قصة مستوحاة من واقع الحياة الاجتماعية اليمنية. وتتمحور حول قضية زواج الفتيات القاصرات التي يتحكم فيها الجهل والفقر والتقاليد - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -. وكانت المخرجة نفسها ضحية هذا الثالوث المدمر وعاشت التجربة ذاتها في سن الحادية عشرة. ويتوقف الفيلم عند شجاعة وجرأة نجوم القاصر ودفاعها عن امثالها القاصرات وإدانتها للعادات والتقاليد القبلية اليمنية التي تشرعن الزواج المبكر. ( تشير منظمة اليونيسيف الى ان كل فتاة يمنية من اصل 8 تتزوج دون سن 18 وأن واحدة من اصل 7 تتزوج في سن 15. ويلفت الفيلم الى ان الليلة الأولى لزواج نجود كانت اقرب الى الاغتصاب وأن صراخها واستغاثتها بأمها كانت تجابه بوجوب طاعة زوجها (يكبرها بعشرين سنة) وحقّه في التأنيب والتأديب. فلسطين ستيريو اما في المقلب الفلسطيني، فيعرض فيلم « فلسطين ستيريو» من اخراج رشيد مشهراوي - انتاج تونسي فلسطيني مشترك - ومدته 90 دقيقة. وتدور قصة الفيلم حول ميلاد الملقب بـ «ستيريو» وهو مغن في الحفلات والأعراس والمناسبات، تموت زوجته «أنغام» نتيجة تعرض منزله لقصف إسرائيلي فيتوقف عن الغناء، ويصاب في القصف ايضاً أخوه سامي عامل الكهرباء فيفقد سمعه ونطقه وتهتز علاقته العاطفية بجارته ليلى. ازاء هذه الحال المأساوية، يتخذ الأخوان قراراً بالهجرة إلى كندا، الا ان تأمين مبلغ من المال لإتمام معاملات الهجرة لم يكن متوافراً لديهما. فيضطران للعمل في محل لتأجير المعدات الصوتية التي تستخدم عادة في الأعراس والأتراح والمناسبات الوطنية والمهرجانات الشعبية وسواها على امل بأن يجمعا تكاليف الهجرة. يتضمن هذا الفيلم مشاهد لا تخلو من الفكاهة والسخرية. فخلال بحثه عن اسطوانة وطنية لتشغيلها في احدى الاحتفالات الفلسطينية يستعيض عنها «ستيريو» بملعقة كآلة عازفة على كوب زجاجي فارغ. كما يسخر الفيلم من انقسام الفلسطينيين «الواقعين تحت ثلاثة احتلالات»، ومن احد الوزراء الذي تتعـــرض خطبتـــه للتوقف ــــمرات عــــدة بسبــــب عطــــل في الميكرفون، ومن الأخوين «ستيــــريو» و«سامي» اللذين يستأجران سيارة إسعـــاف لنــــقل معداتهما الصوتية، في اشارة الى ان القضية الفلسطينية نقلت الى العناية الفائــــقة، وصولاً الى استخدام «ستيريو» معداته الــــصوتية للتجارة ووضعه قائمة من التسعيرات للراغبــــين فــي مشاركة احياء ذكرى بعض مجازر الاحــــتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين.