للتطرف ارتداد نفسي وعقلي لابد وأن يحدث، سواء بصدمة واقعية أو فكرية، فهو عمليا حالة من الهذيان والتشويش العقلي تصيب بعض الذين يجدون أنفسهم في حالة من القلق العقدي تدخلهم في دوامة ومتاهة من العزلة والانغلاق مع الذات بحيث لا يستطيعون السيطرة على مسارهم العقلي، وفي تلك اللحظة فإنهم يكونون في أضعف أحوالهم التي يقتنصهم فيها صيادو الظلام، ويغرسون مزيدا من جرعات الوهم الديني حتى ينتج عالم خاص بهم، ليس العالم الحقيقي. الموقوفة هيلة القصير الملقبة بـ سيدة القاعدة، كشفت أخيرا في حوار صحفي لها تفاصيل ارتباطها بالتنظيم الإرهابي وتمزيقها لشهادتها الجامعية رغم تفوقها واعتناقها الفكر المتطرف، وأبدت ندمها على انضمامها لتنظيم القاعدة الذي جمعت له الملايين، واللافت في اعترافاتها إحساسها بأنها ميتة دخلت القبر بعد أن ارتكبت المعاصي والذنوب ورأت خطيئاتها بالقبر ثم أحياها الله من جديد، وإشارتها إلى دور ابنتها في تراجعها عن الفكر المتطرف، بقولها ابنتي الرباب كان لها عظيم الأثر في نفسي وجعلتني اتراجع عن الكثير من الأمور.وبالطبع تلك المراجعات مطلوبة ومهمة في كشف التأثيرات الضارة لعالم سلبي يكمن في السر وينفجر في العلن، وهي في ذات الحوار شبهته بعالم المخدرات، وذلك ما يتوافق مع فكرة الوهم والعالم غير الحقيقي، وكذلك حال كل المتطرفين في جميع المذاهب الدينية والفكرية، يتبعون خيالا مفتوحا يصوّر كثيرا من الأكاذيب وكأنها حقائق، لأنهم ببساطة باعوا عقولهم لغيرهم، وحين نتتبع مثل هذه الارتدادات، يمكن اليقين بأن اتباع التطرف هم في الواقع ضحايا تحولوا إلى إرهابيين ثم ضحايا مرة أخرى، فهي دورة مؤسفة من التيه الذهني تتطلب أن نعزز فرص الحوار الفكري لأن النتائج التي تترتب على خروج هؤلاء من العالم الواقعي إلى ذلك العالم تتضمن تخريبا مريعا في الأمن والاستقرار لأي مجتمع ووطن قبل أن تحدث الإفاقة والشعور بالندم.حالة القصير تأكيد على سوء التطرف ونتائجه التي قتلت وهددت وخرّبت وانتهت إلى لا شيء، فليس هناك أسوأ من الاعتقاد وبقناعة من أنك الوحيد على صواب وجميع الآخرين على خطأ، وذلك للأسف أول السلوكيات الفكرية للمتطرفين والمتشددين، وما لم يأت بقناعات وخيارات حقيقية فمن المؤكد أنه لن يبقى وذلك حال التطرف، ولكن الضحايا يستغرقون وقتا طويلا وهم في حالة الخمول الأولى الخلايا النائمة لاستيعاب ما انتهت إليه القصير وأن ما يعتنقونه إنما هو وهم عقدي وخيال ديني لا ينتهي إلى خير، إما إيقافا أو أشلاء، ولكن قبل ذلك يتم ارتكاب كثير من الأخطاء التي تقتل أبرياء وتروّع آمنين. نقلا عن اليوم