ما أكثر الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدها الاتحاد الأوروبي لبحث أزمة اللجوء والهجرة التي أحدثت انقساماً حاداً وعميقاً بين دول الكتلة حيال الحلول المطروحة. هذا الاهتمام الأوروبي الشديد بالأزمة ما كان له أن يكون لولا الإحساس الشديد بوطأتها الإنسانية والأخلاقية والأمنية والديمغرافية. فالأزمة باتت حادة وملموسة الأثر والتأثير وهي على أعتاب حدود القارة العجوز، وأصبحت رغماً عن أنفها طرفاً فيها، وفي ما يحدث على بعد آلاف الكيلو مترات منها. لم تحاول أوروبا مجتمعة حل الأزمة، بل أدارت ظهرها لها عندما كانت زوارق الموت تلقي اللاجئين والمهاجرين على السواحل الإيطالية والإسبانية، ولم تحرك ساكناً لفعل شيء لمساعدة البلدين اللذين جأرا بالشكوى والاستغاثة، ثم انضمت اليونان للدول المتأثرة بالأزمة، ولم يجد صريخها شيئاً لجهة التوزيع العادل لوطأة اللاجئين والمهاجرين، وعندما لم يعد السكوت مجدياً تولت وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس المهمة التي كانت تقوم بها البحرية الإيطالية، وذهب الاتحاد الأوروبي أبعد لمعالجة الأزمة أمنياً بالحصول على تفويض من مجلس الأمن لاستخدام القوة في إحباط حركة زوارق الموت على السواحل الليبية. وقرعت دول في الاتحاد ألمانيا والنمسا لقبولهما استقبال اللاجئين، باعتبار أن هذا الترحيب يغري المزيد من اللاجئين بالمغامرة للوصول إلى الملاذ الأوروبي الآمن. ومالت دول أخرى لمعالجة الأزمة فيما يليها أمنياً بتشييد الجدر الأسمنتية ونصب الأسيجة على الحدود مثلما فعلت المجر وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا، وفي الطريق دول أخرى. أرضى الاتحاد الأوروبي ضميره مبدئياً بقبول توطين 120 ألف لاجئ يتم توزيعهم في شكل حصص على دوله، بيد أن بعض دوله رفضت المبدأ، محذرة من تهديدات أمنية وثقافية ودينية واقتصادية. الحلول الأوروبية على الجملة تميل إلى احتواء الأزمة ومنعها من التأثير في وحدة الاتحاد الاقتصادية والمناطقية، ومن هذه الحلول إقامة مخيمات للاجئين والمهاجرين في دول الجوار السوري أو شمال إفريقيا وتقديم أموال للدول المضيفة للاحتفاظ باللاجئين ومنع تحركهم إلى الشمال الأوروبي. هذا الحل وغيره مما سبق لم يوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين، فمنذ بداية العام الحالي وصل إلى أوروبا 750 ألف مهاجر، ويتوقع في الأشهر الأربعة المقبلة أن يصل 600 ألف آخرين، مع توقع أن يصل العدد نهاية العام 2016 المقبل إلى ثلاثة ملايين. حسب إحصائيات وكالة الحدود الأوروبية فإن غالبية اللاجئين والمهاجرين من سوريا (32%) وأفغانستان (18%) وأريتريا (10%) وباكستان (4%) ونيجيريا (4%) والصومال (3%) والعراق (3%) والسودان (2%) وألبانيا (1%). طرح الاتحاد الأوروبي في القمة التي تجمع 24 من دوله مع 34 دولة إفريقية في العاصمة المالطية فاليتا خطة لاقناع الدول الإفريقية باستعادة المهاجرين غير الشرعيين مقابل حوافز مالية وتقنين الهجرة الانتقائية بمنح تأشيرات مفتوحة لطلاب الدراسات العليا والأطباء والمهنيين وأصحاب المال والأعمال، وتأسيس صندوق ائتماني بقيمة 1.8 مليار دولار لتنفيذ مشاريع تساهم في توفير وظائف ومكافحة آثار الاحتباس الحراري وتنمية الأرياف. أية خطة هذه؟ هي القسمة الضيزى، ولا تعنى شيئاً غير استنزاف الدول الإفريقية وحرمانها من كفاءاتها وتوطينها في أوروبا، فإذا كانت أوروبا معنية بمكافحة الاتجار بالبشر، فها هي تتورط في ما هو أفظع سرقة البشر. osnim@hotmail.com