×
محافظة المنطقة الشرقية

“شكراً رجال الأمن “رسالها قدمها أبناء الحائط لرجال الأمن

صورة الخبر

نشرت صحيفة «الرياض» السعودية حوارًا مع «سيدة القاعدة» الثانية في جزيرة العرب السجينة هيلة القصيّر، المدانة بالانضمام لتنظيم القاعدة وإمداده بالأموال وتجنيد عناصر لحساب التنظيم. الحوار كان محط استغراب من كل القراء لأسباب موضوعية. ربما لم يكن من داعٍ التطرق لقرار المحكمة السعودية التي أصدرت حكمًا بحبسها 15 عامًا، لولا أن القصير نفسها أبدت في حوارها استغرابًا من الحكم بعد توقعها أن تكون مدة حبسها أطول بالنظر للجرائم التي أدينت بها، ربما لأنها قارنت نفسها مع «سيدة القاعدة» الأولى في العالم عالمة الأعصاب الباكستانية عافية صديقي، التي قبضت عليها القوات الأميركية في أفغانستان وأدانتها محكمة أميركية بالإرهاب وحكمت عليها بالسجن 86 عامًا. شخصية هيلة القصير ليست عادية، المرأة تمتلك كاريزما عالية جعلت حتى عناصر «القاعدة» من الرجال يعملون تحت إمرتها. وملامح هذه الشخصية القوية بدأت منذ أن استعْدَت أسرتها بإصرارها على الزواج من المتطرف عبد الكريم الحميد الذي يكبرها بثلاثين عامًا، حتى أنها نزعت ولاية أخيها لتتمكن من الزواج به، سلوك قلما يحصل في مجتمع محافظ، ثم حصل الطلاق وتزوجت من تلميذه الإرهابي الآخر محمد سليمان الوكيل، وهي فعلاً كما تقول بالقوة التي لم تكن لترضى منذ صغرها إلا بالمركز الأول في كل شيء، مثل هكذا شخصية من الصعب أن تتغير بعد هذه التجارب والسنين. في محاضراتها الدعوية التي كانت تلقيها بين النساء، كانت تجمع الأموال والذهب، مستغلة ميل السعوديات خاصة كبار السن منهن لأعمال البر والإحسان بعد سردها لقصص مأساوية لعوز الأرامل والأيتام المسلمين في اليمن وأفغانستان، وهي في الحقيقة كانت تجمعها لتمويل أعمال التنظيم الإرهابي. في محاضراتها تلك، كانت تدعو النساء للتمسك بتعاليم الإسلام وأوامره بالاحتشام والصدق وعدم مخالطة الرجال، أما في حياتها الشخصية فكانت عكس ذلك، حيث أوت عناصر من التنظيم هاربة في منزل عنصر آخر في مدينة بريدة السعودية، المدينة التي حكمت محكمتها الجزائية على شاب رقص بالشورت في اليوم الوطني السعودي بحبسه عشر سنوات وألفي جلدة وخمسين ألف ريال غرامة! القصيّر كانت إحدى المرشحات للزواج بالرجل الثاني لـ«القاعدة» في اليمن سعيد الشهري، الذي استمات لتهريبها من السعودية لليمن لاتخاذها زوجة ثانية مع زوجته الأولى «سيدة القاعدة» الأولى في جزيرة العرب وفاء الشهري، بل ووصل به الأمر للتخطيط لعملية إرهابية في السعودية لاغتيال شخصيات مهمة ثم تهريب القصيّر لليمن للزواج بها، ولكن لم يتم له ذلك بعد فشل العملية ثم القبض عليها في المنزل الذي أوت فيه الإرهابيين في بريدة وهي في وضع اختلاط غير مشروع. وضع مشابه لما قام به تنظيم داعش بعرضهم لمبادلة الإرهابية عافية صديقي بالصحافي الأميركي جيمس فولي، وبعد أن ردت الإدارة الأميركية طلبهم قاموا بنحره. أهم القواعد التي تعمل بها التنظيمات المتطرفة التبرير لاختراقاتهم للأحكام الشرعية، وجعلها سلّما من الأولويات، فمن أجل الهدف الكبير يتم التغاضي عن أمور أقل أهمية في نظرهم مثل العصيان والعقوق والسرقة والكذب والاختلاط والخلوة والسفر دون محرم، رغم أنها النواهي التي يحذرون عامة الناس البسطاء منها في محاضراتهم، لإسباغ الطابع الديني المتعارف عليه في المجتمع السعودي على أقوالهم ودعوتهم. وباعتراف القصيّر فقد تلقت دروسا في كيفية استخدام شبكة الإنترنت من أحد العناصر الذين أوتهم، وهي بالتأكيد ليست دروسًا عن بعد بل في خلوة غير شرعية. كيف من الممكن أن يتعامل رب الأسرة أو الأخ في السعودية بعد علمه بأن ابنتهم تختلي بالرجال في مسكن رجل آخر؟ هذا الفعل بحد ذاته كان سيأخذ مسارًا مختلفًا وقصة فضائحية تلوكها ألسنة الناس. بالتأكيد أن في ملفات المباحث السعودية من الاعترافات والغرائب ما يتجاوز ما نشرته الصحيفة، وربما ستكشفه الأيام، من انحرافات أخلاقية وسلوكية لرجال التنظيم ونسائه، ويكفي ما وصلنا من قصص سبي تنظيم داعش لنساء وفتيات صغار والزواج بهن ما يشيب له شعر الرأس. إنه مجتمع منحل، ووكر من أوكار الرذيلة التي يشرعها المتطرفون تحت عنوان متطلبات الجهاد، سلوكيات يرفضها المجتمع السعودي شرعًا وعرفًا، ولا تستسيغها حتى أكثر المجتمعات تحررًا في أوروبا. هيلة القصير قضت ثلث المدة المطلوبة في السجن، وستخرج بعد عشر سنوات. مدة بسيطة متبقية ستنطلق بعدها القصير للمجتمع، تربي ابنتها التي ستبلغ حينها اثنين وعشرين عامًا، زهرة الشباب والإقبال على الحياة. وليس من قبيل المبالغة القول إن خطر هذه السيدة على المجتمع بعد إطلاق سراحها لا يقل عن يوم اعتقالها، لأن المتعاطفين معها كثر، نقرأ لهم في «تويتر» مدافعين عن «أم الرباب»، لقبها الذي عرفت به، حتى أنهم خصصوا لها حسابًا تويتريًا للدفاع عنها وسرد محاسنها. ظاهرة هيلة القصير لن تنتهي بنهاية قصتها، بل ستستمر، ما دام أن أدبيات الفكر المتطرف سهلة الانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي وداخل القاعات المغلقة في المدارس والجامعات لترقيق قلوب الجمهور تجاه ضحايا الحروب في سوريا واليمن، وتجاه المعتقلين المدانين بالإرهاب بالادعاء أنهم ظلموا، ولنا في قصة أروى البغدادي مثل واضح، فقد نالت من التعاطف ما جعل الكثيرين ينادون بإطلاق سراحها، وحينما أطلق سراحها بكفالة مع جدولة جلسات لمحاكمتها فرت إلى كهوف وخيام الإرهابيين في اليمن. القصيّر تريد أن تؤكد أنها اليوم إنسانة مختلفة، نادمة على ماضيها، متحسرة على حياتها، واستخدمت ابنتها وسيلة لتستدر بها عطف الناس، حتى أنها تطمح للزواج بعد خروجها من السجن وهي في ذلك الحين تبلغ الستين عاما، ولكن هذه المرة، بحسب قولها، لن تتزوج رجلاً يحمل الفكر السابق، أي الفكر التكفيري المتطرف، ستختار زوجًا معتدلاً، أو ربما ليبراليًا، من يدري.