أحيانا تكون العقدة واضحة أمام أعين الجميع ولكن القوم يفضلون الالتفاف عليها كي لا يكونوا في مواجهة مع أصل المشكلة، وهيئة الرقابة والتحقيق جزاها الله خيرا لم تفعل مثل العديد من الجهات الحكومية التي تتهرب عادة من تفسير ظاهرة شح الأراضي في بلد مترامي الأطراف بل ذهبت إلى الهدف مباشرة حيث طالبت بنزع ملكية الأراضي الشاسعة غير المحياة داخل النطاق العمراني للمدن وخصوصا تلك التابعة لبعض الأجهزة الحكومية حيث يمكن تخصيص هذه الأراضي لمشاريع الإسكان وتعويض الجهات التي كانت تمتلكها بأراض بديلة خارج النطاق العمراني. ولم تتوقف مطالبة هيئة الرقابة والتحقيق عند هذا الحد بل طالبت بنزع (الشبوك) التي تحيط بالأراضي الشاسعة غير المحياة خارج النطاق العمراني والمملوكة لأشخاص والاكتفاء بوضع علامات على أطرافها كي يصبح بإمكان المواطنين المرور من خلالها وكي لا تؤثر على نشاطات حياتهم ولا تعطل خطط التنمية وتتسبب في رفع أسعار العقار إلى معدلات غير معقولة. هذا هو الكلام المفيد فلولا هذه المساحات الشاسعة من الأراضي غير المحياة التي شوهت التخطيط الحضري للمدن كما شوهت الجمال الطبيعي للصحارى لما تأزمت القضية الإسكانية إلى هذا الحد الذي لم ينفع معه استبدال الوزراء أو تغيير الخطط. قد تكون مطالبة هيئة الرقابة والتحقيق بنزع الملكيات داخل المدن وإلغاء الشبوك خارج المدن من الحالات النادرة التي يتحدث فيها جهاز حكومي عن لب المشكلة الإنسانية لا عن قشورها، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح ونأمل أن تكون مشجعة لبقية الأجهزة الحكومية وفي طليعتها وزارة الإسكان كي تستطيع أن تجد حلا حقيقيا يمكن تطبيقه على أرض الواقع بدلا من الحلول الترقيعية التي أثبتت الأيام أنها مطاردة للوهم الذي لا يتبدد. بالتأكيد نحن اليوم في أمس الحاجة لقرارات حازمة تجاه معالجة هذا الوضع المائل الذي خلف آثارا اجتماعية واقتصادية خطيرة، وهذه القرارات بالطبع أكبر من وزارة الإسكان التي لن تستطيع أن تتقدم قيد أنملة ما دامت مشكلة الأراضي الشاسعة المساحات -وغير المحياة والتي حصل عليها أصحابها في الغالب على هيئة منح- معلقة دون حل، لأن الوزارة باختصار لا تستطيع بناء بيوت في الهواء ما دامت الأرض (مشبكة). أخيرا نقول.. لن يأخذ ملاك هذه المساحات الهائلة هذه الأراضي الشاسعة معهم إلى القبور وليس هناك منطق اقتصادي أو غيره يقول إنهم سوف يحيون هذه الأراضي الكبيرة خلال عقد أو عقدين أو ثلاثة عقود، ورغم ذلك فهم يغلقون الطرق حولها دون أدنى استعداد لمناقشة وضعها العجيب، فيبقى الأحياء دون سكن.