إذا كان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يؤرخ في كتابيه المهمين: تحت راية الاحتلال، وسيرة مدينة لمراحل فاصلة من تاريخ الشارقة، ومجمل هذا الساحل العربي، مقدماً معلومات وعارضاً لوقائع هي حصيلة بحث معمق، فإنه في اقتصاد الساحل العربي في القرن التاسع عشر يعرض لما يمكن أن نطلق عليه التاريخ الاقتصادي للمنطقة، موفراً لنا بانوراما واسعة عن الحال الاقتصادية ومراحل تطورها. وهي بانوراما تعين الباحث، لا في مجال دراسة تطور الاقتصاد في المنطقة، وإنما توفر له معطيات تمكنه من الوقوف على سمات التطور الاجتماعي عامة. الاقتصاد هو مرتكز التطور الاجتماعي. وفي العادة فإنه يلعب دور الرافعة أو القاطرة للتحولات الاجتماعية التي تفرضها وقائع التطور الاقتصادي، من نشوء وتغير للحرف والمهن ومن تبدل لعلاقات الإنتاج في الحقبة المعنية. وفي الإجمال، فإن مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في تاريخ هذه المنطقة مكنتنا من أن نعرف تاريخنا بصورة أوسع وأفضل، وأن نقف على وقائع صفحات كانت حتى الأمس القريب غائبة أو مغيبة عنا، خاصة أنه كتب هذا التاريخ بروح الانتماء الوطني والقومي لهذه الأرض، ومن إدراك لتفاصيل دقيقة لا يمكن إلا لمن ينتسب لها أن يتوفر عليه. وهذا ما نلحظه لو عقدنا المقارنة بين مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ومن كتبوا عن تاريخ المنطقة من الأجانب، من منظور منحاز لمصالح بلدانهم. على مدى ستة وستين عاماً ظلت الشارقة على سيرتها في معاداة البريطانيين، هذا ما يعرض له سموه، بالوقائع والأحداث سواء في تحت راية الاحتلال أو في سيرة مدينة، وعبر سرد تاريخي تفصيلي لا نقف فقط على الصراعات المحلية، وإنما أيضاً على التدخلات والتأثيرات الآتية من الإقليم، ونقف، خاصة، على الدور البريطاني الذي أحكم قبضته على المنطقة. في اقتصاد إمارات الساحل العربي لا ينحصر الحديث عن الشارقة وحدها، وإنما يغطي مجمل ثغور ومدن وبلدات هذا الساحل، حيث يضعنا هذا الكتاب المهم في أجواء تفاصيل كثيرة منها ما يتصل بمهنة الغوص. وهي تفاصيل تُنَّور القارىء والباحث في مهنة كانت مصدر الرزق الأساس لسكان هذه السواحل على مدار زمني طويل. كما يتناول التجارة ما بين أبوظبي ورأس الخيمة، حيث نجد معطيات وافية عن بنية التجارة وجنسيات التجار الناشطين يومها وأعدادهم، وأنواع الواردات والصادرات من السلع التجارية ونوع العمل المتداول وغيرها. madanbahrain@gmail.com