فخر النساء زيد فنانة أردنية وضعت بصمة في حياتها واشتهرت بعد وفاتها هناك العديد من الأسماء المهمة في مسيرة الفن التشكيلي العربي لها قيمتها ومقامها الإبداعي ودورها في تأسيس الحركات التشكيلية في وطننا العربي أصبحت اليوم قاب قوسين من دائرة النسيان التي تجعلنا في حال من الخوف على ذوبانها واضمحلالها بسبب ضبابية وزوبعة غبار الهجمة الشرسة من الفنون الحديثة بكل تنوعاتها وتعدد المنتمين إليها من جيل الشباب، ويسرنا عبر المجلة الثقافية أحد إصدارات جريدة الجزيرة أن نعيد للذاكرة التشكيلية العربية خصوصاً الأجيال الجديدة التي تفتقر إلى ثقافة الإلمام بكل تفاصيل مسيرة فنونهم وكيف بدأت ومن المشاهير فيها هذه المرحلة التاريخية إلى تعريفهم بالفنانين الأوائل أصحاب الحضور المؤثر في وقت لا زالت سبل الإعلام محصورة في بلدانهم مع ما حظي به البعض منهم من انتشار من خلال إقامتهم المعارض في الدول العربية والعالمية.. هذا التوجه من الحرص على تكريم هؤلاء تقديراً لجهودهم الكبيرة التي أصبحوا بها رموزاً لا يمكن أن تزاح من تاريخ الفن التشكيلي العربي وإنما بالتأكيد عليه والتذكير بهم. واليوم يسرنا أن نبدأ هذه السلسلة بالفنانة فخر النساء زيد من أوائل النساء اللاتي درسن في أكاديمية الفنون الجميلة في إسطنبول، كما التحقت بأكاديمية رانسون في باريس.. أقامت أول معرض فني لها في إسطنبول عام 1944 وهو أول معرض يعرض لأمرأة واحدة، تلاه عروض في لندن وباريس. كما عرضت أعمالها في نيويورك عام 1950 حيث عرضت عدداً من اللوحات التجريدية الكبيرة في معرض هوغو. يشار إلى أنها شاركت في حوالي 50 معرضاً في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. توفي زوجها عام 1970 ثم انتقلت عام 1975 إلى مدينة عمان في الأردن، حيث يعيش ابنها الأمير رعد. وفيها أسست معهد فخر النساء زيد للفنون الجميلة. توفيت في الخامس من أيلول 1991م. وأقامت مع مجموعة من ثلاثة عشر فناناً آخرين مجموعة فنية أطلقت على نفسها اسم «مدرسة باريس الجديدة»، ونظمت معرضاً في باريس في عشرينات القرن الماضي خصصته للمواهب الشابة من مختلف البلدان. احتفاء في بينالي الشارقة 12 كان لنا جولة في المعرض الخاص الذي أقيم لأعمال الفنانة الأميرة فخر النساء في المباني الفنية لمؤسسة الشارقة للفنون في منطقة المريجة والذي ضم نماذج من أعمالها التي تكشف المعرض العديد من التجارب والمدارس الفنية المختلفة التي مرت بها في مسيرتها الفنية الطويلة، غالبيتها نفذت بالألوان الزيتية على القماش، يمكن من خلالها التعرف على مراحل التطور التي مرت بها من مرحلة التشخيص والرسم الواقعي إلى أن سافرت إلى باريس التي كان لها تأثير كبير على تطوير إبداعها كون باريس تعد في تلك الفترة مركز للأساليب الفنية ومن أبرزها السريالية والتجريدية الفنيتين، وقد أسهمت هذه الساحة الخصبة كثيراً في تعريف زيد إلى التنوع الكبير في الأساليب والتقنيات التي تأسست على أيدي أساتذة الفن الحديث مما غير كثيراً في توجهها مع اللون والخط والتكوين في أعمالها. وقد جمع المعرض بين المسافة الزمنية لتجربتها وبين ما مر بتجربتها في العمل الفني، فمسيرة تجاوزت السبعين عاماً، تخللتها خطوات وتبدلات ما بين التأثر والإمساك بالبدايات بين اهتمام بالفنون الإسلامية والخروج إلى عالم اللون والتكوينات والتوازن الهندسي وتباينات اللون وتضاداته خصوصاً في الجدارية الكبيرة للفنانة التي استطاعت فيها ان تبني علاقات تكاملية بين الخطوط والألوان باقياع موسيقي يأخذنا إلى تونات عالية الرتم واحياناً هادئة بين يمكن تحديدها في الفترة بين الأربعينات والستينات من القرن العشرين، مراحل تأثر الفنانة فخر النساء زيد بفنون تصاميم الزجاج الملون والموازييك والتي تعتمد على المنظور والمنطق الهندسي. كما يظهر في المعرض نماذج من الأعمال المعتمدة على الميديا أو الوسائط استخدمت فيها العديد من الخامات كالزجاج والباستك والخشب والجلود حيث تتضمن فكرة الزمن والأحافير، تظهر فيها عظام وكتل متآكلة لبقايا كائنات حية. هذه الأعمال بتنوع تعيدنا لتذكر مرحلة المجموعة الطليعية «دي غروب» في إسطنبول، قبل أن تنتقل إلى المشهد الفني في باريس في أربعينات القرن الماضي، حيث تحولت وتأثرت تجاربها بمدرسة باريس الفنية، التي ترفض الأساليب التقليدية الأكاديمية. شهرة بعد الرحيل هكذا هي الحياة وهكذا نتذكر المبدعين بعد أن يرحلوا من حياتنا دون أن نشعرهم بقيمتهم الفنية والأدبية وغيرها، فقد نالت الفنان الأميرة فخر النساء زيد تتويجاً عالمياً في كثير من المحافل بعد وفاتها كان منها أن بيعت لوحتها التي حملت عنوان «كسر للذرة والحياة النباتية» التي أنجزتها أنجزت هذه اللوحة عام 1962 وعمرها ستون عاماً، كأغلى عمل لفنانة في الشرق الأوسط في مزاد كريستيز العالمي الذي أقيم في دبي قبل ثلاثة أعوام بعشرة ملايين وستمائة درهم إماراتي، التي رسمتها وهي في الستينات من عمرها، وتعد من أعمالها التي تبرز تأثرها بالخطوط العربية والصوفية والثقافة البيزنطية والغربية، كما حظيت بتكريم خلال إقامة بينالي الشارقة الثاني عشر وكان لنا ومن خلال دعوة كريمة من الشيخة حور القاسمي كالمعتاد لتغطية فعاليات البينالي حضور حفل جوائز الفائزين في البينالي التي كرمت فيه الفنانة فخر النساء وقدم درع التكريم لابنها الأمير رعد زيد، تسلمه من يد الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، تكريم تستحقه الفنانة حتى بعد رحيلها، فقد كان التكريم ملفتاً للنظر ومثيراً للإعجاب حتى ولو رحل عنا هؤلاء فلهم حق على كل جيل أن يتذكرهم وأن يذكر بهم فهم من حملوا على عاتقهم هموم هذا الفن في وقت لم يكن له ما أصبح عليه اليوم من انتشار وما أصابه من ترهل وتصدع، وغزو أضاع فيه الفنانون العرب حقوقهم وتبعوا توجيهات التغريب، فإن لم نذكر بهولاء ونعيد وهجهم وقيمتهم الناصعة الصادقة فلن نجد يوماً لنا فناً أو هوية أو ثقافة.. فهؤلاء هم القاعدة الصلبة والمرجعية التي يشتشهد بها كل حريص على تاريخه الفني والثقافي. - monif.art@msn.com