هنا أرض الهضاب، أرض التربة الحمراء، أرض الشعب العفوي، هنا أذن المنطقة التابعة لإمارة رأس الخيمة، وتقع جغرافياً في جنوبها، وتتحول جبالها وهضابها إلى منحدرات مائية تنساب منها مياه الأمطار إلى أن تروي جميع مناطقها. ومن دون مواعيد حين تذهب لأهالي أذن، تجدهم مستعدين لاستضافة من يطرق بابهم، كما هي عادة العرب في كل مناطق وطننا العربي، وبالأخص أهل الجبال الذين يعيشون بين جنباتها، وبين السهول المنبسطة، وما زالت القهوة والتمر، هما العنصران الأساسيان عند تقديم الضيافة. الخليج طرقت منازل أهالي أذن ليسردوا ذكريات أيام الماضي قبل 50 سنة مضت أو أكثر، ويعيدون تلك التفاصيل بحلاوتها وقساوة أيامها، لتبقى تتردد بين الأجيال، وتكون محط مقارنة شاسعة البون بين أحوال الأجيال الحالية وحياة الأجداد التي عاشوها بشظف وصبر وحب متناغم. راشد حميد سالم عيسى المزروعي (70 عاماً)، أحد شياب أذن، ومطوع المنطقة منذ أكثر من 33 عاماً، قبل أن يبدأ بسرد معلوماته عن منطقته، أحضر الفوالة، وهي عادة اجتماعية تقدم للضيوف، وكانت في قديم الزمان قبل خمسين عاماً اقتصرت على القهوة والتمر، أما حالياً فيقدم معها الفواكه والأكلات الشعبية، أما القهوة العربية المرة، يقول إنه هو من أعدها فجراً، فزوجته في زيارة لأهلها، وهو يقوم قبل الفجر لإعداد القهوة، ويصلي ما تيسر له، إلى أن يؤذن لصلاة الفجر، ووضع مطوع أذن في القهوة مسماراً، موضحاً أن المسمار دواء للصدر والكحة، وله فوائد يعددها حينما يصب لنا فنجان القهوة. يضيف المزروعي: منطقتنا جميلة وهي عبارة عن مساحة منبسطة من الأرض تحيط بها الجبال من كل جانب، فهي الأوتاد الراسخة وفيها قلاع وحصون تحرس المنطقة، وكنت في بداية شبابي أعمل كحارس (مطارزي) مع الشيخ محمد بن سالم القاسمي، رحمه الله، والد الشيخ صقر بن محمد القاسمي، رحمه الله، حاكم رأس الخيمة السابق، الذي عملت معه كحارس أيضاَ، وكنت أتنقل معه إلى منطقة الرمس والحويلات، إلى أن قام الاتحاد وتشكلت الدولة، بعدها سجلت في هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عام 1974، وكانت تستقطب المواطنين ليكونوا مطاوعة في المساجد، لإقامة الصلاة ورفع الأذان، وكنت أحفظ عدداً من سور القرآن البسيطة، تكفي لإقامة الصلاة، وبقيت 33 عاماً أرفع الأذان وأقيم الصلاة في أحد مساجد أذن، إلى أن تقاعدت، لكبر سني. يسترجع مطوع أذن، ذكرياته القديمة، قائلاً: حين كنا صغاراً، لم تكن ألعابنا إلا من صنع أيدينا، فكنا نلعب لعبة (العظم)، وهي لعبة ليلية نلعبها في مجموعة، وتتمثل في مكان واسع نكون أعددناه بتنظيفه من الحصى مسبقاً، ثم نذهب للمكان، وهو بعيد قليلاً عن المنازل، وأحدنا يبدأ برمي العظم لتبدأ مسابقة البحث عنه إلى أن يجده أحدنا، ثم يعود لرميه، وهكذا دواليك إلى أن نتعب ثم نعود لمنازلنا. وكذلك لدينا لعبة (البتة)، وهي كرة صغيرة يتم رميها بعصا جريدة النخل، ويستلمها الطرف الآخر باليد ثم يقذفها للطرف الآخر، وهكذا، كانت ألعابنا في منتهى البساطة إلا أنها تدخل الفرحة إلى قلوبنا. يضيف: كنا نعيش في منازل بدائية، تتكون من طية من الحصى ونضع عليها العسبق والخوص على شكل هرم، ويحمينا ذلك السقف من المطر إذ ينسدل المطر على جانبي المنزل من دون أن تنزل قطرة واحدة فوق رؤوسنا، وفي الصيف نسكن بالعرش، مفرد (عريش)، وهو منزل من جريد النخل، وبقيام الاتحاد جاءتنا البركة، وسكنا بعدها بسنوات منازل من الإسمنت. ويتابع: عرس آبائنا كان لا يكلف غير 200 إلى 250 روبية، وحين جاء وقتنا كان مهر زوجتي 1000 روبية، ونشتري المير من رأس الخيمة، وهو عبارة عن مؤونة غذائية لأهل العروس، تتكون من الأرز والطحين وغيرها من المواد الضرورية. والفلوس كانت روبية وآنة، أو قروني، وتساوي ربع الروبية، فأربعة منها يساوي ربع الروبية، والآنة تتكون من 4 بيسات، وكان التجار يصبرون على الأهالي لمدة طويلة تصل إلى السنة، ويظل الحساب مدوناً في دفتر التاجر إلى أن يتيسر حال المشتري ويدفع ثمن ما اشتراه. وعن تسمية أذن قال المزروعي: يقال إن الأذان حين رفع في المنطقة كان مسموعاً في أماكن بعيدة جداً، وحين يسأل الشخص عن المنطقة يقال إنها منطقة الأذان، إلى أن أصبحت تسميتها أذن، كما هي الحال بتسمية المناطق التي تتكون منها المنطقة، فمنطقة أبو سلية فيها شجر له شوك يسمى (سلية)، فأطلق عليها ذلك الاسم. وتشمل منطقة أذن العديد من المناطق والأودية المحاذية لها مثل وادي كوب الذي أطلق عليه ذلك الاسم بسبب حمام الراعبي الأبيض، الذي يكثر أثناء تساقط المطر ويطلق أصواته المميزة، ومنطقة العيم التي سميت بسبب حصاة مرتفعة تتساقط حولها مياه الأمطار، وتشكل ودياناً تسمى عيماه، ووادي مغيل، وسمي أيضاً نسبة إلى كثرة جريان الوديان فيه، ووادي فرع الذي يلتقي فيه عدد من الوديان، حسب المزروعي. وكانت منطقة الرايحة، فيها أشجار كبيرة يستريح تحتها الناس، وكذلك منطقة مريال وتشير تسميتها إلى وجود أشجار كبيرة فيها، ومنطقة ظهرة، أي أرض مرتفعة تظهر منها الشمس بشكل واضح، لا يوجد فيها أحد، ومن الشرق توجد منطقة العقيبات، وتوجد فيها جبال وطرق بينها تسمى عقبة مفرد عقيبات، أما منطقة الحمراة، فبقعتها حمراء اللون، وتقع شمالاً، ومنطقة بوعويد، فهي أرض فيها أشجار السمر والسدر، وعندما ينتهي موسم الصيف القيظ، يذهب أصحاب المواشي لتلك المنطقة كي ترعى مواشيهم، وحين يظهر نجم سهيل ترى عيداناً خضراً من تلك الأشجار، فسميت بوعويد، أما منطقة المعترض، فسميت كذلك، لأن فيها جبل يعترض المكان، ومنطقة تسمى المعترض الشمالي ومنطقة أخرى المعترض الجنوبي، ومنطقة المغدر، تتجمع فيها المياه ومعروفة بظهور الفقع، أما منطقة رميلة، فيوجد فيها رمل، ومن غرب منطقة أذن فيها السيوح، منه سيح الغليل، وفق ما يتذكره مطوع أذن. ويتذكر رحلته غلى أسواق الإمارات قديماً، قائلاً: كنا نستخدم الحمير والجمال في انتقالنا، للذهاب إلى الأسواق، في دبي ورأس الخيمة والشارقة، خصوصاً السوق القديم في رأس الخيمة، الذي كان عامراً بالتجار. ربيع هلال المزروعي (85 عاماً)، أحد شياب منطقة أذن، يقول عن سبب تسمية أذن: إنها كانت بالأصل أذى، لأن أهلها كانوا أصحاب بأس شديد، إلى أن تحول الاسم إلى أذن، وتتمتع المنطقة بتاريخ سحيق، وفيها 3 حصون تحمي المنطقة التي تحيط بها الجبال من كل جانب، فيما كانت أرضنا زراعية نزرع فيها أنواع الخضروات من البصل والجزر، إضافة إلى النخيل بأنواعها، وخاصة نوع النغال، وكذلك انتشرت فيها زراعة الغليون قديماً. ويضيف المزروعي: كانت أعمالنا تتخلص بحرق الحطب وإعداد الفحم السخام، للبيع في الأسواق البعيدة عنا، وكنا أكثر ارتباطاً بسوق الشارقة الذي يبعد عنا مسيرة يومين بلياليهما. أما عن الأكل قد سما، فيقول: أكثر ما كنا نفتقده هو اللحم المملح، فقد كنا نذبح الأغنام، ونأكل من لحمها الطازج، والباقي نملحه ونضع عليه أيضاً الكركم والبزار أي البهارات، ونضعه في مكان عال مخصص له، وكل أسرة كان لديها ماشية، ورب الأسرة الواحدة كان لديه 200 رأس من الماشية، وكان جميع أفراد الأسرة يعتنون بها خصوصاً النساء، رغم أنها ترعى في البراري، ولم نكن نخصص لها طعاماً كما هو حاصل في الوقت الحالي. وعن ذكريات زواجه، التي كانت قبل 67 عاماً، يشير إلى أن المهر كان يبلغ 15 ريالاً، إضافة إلى المير، وحين تزوج كان قد جمع 40 روبية من عمله الخاص ببيع الفحم، وكان يملك بعيراً اشتراه ب15 روبية، وأعطى العروس الصباحة، وهي عبارة عن مبلغ من المال أو ذهب، أو أي نوع من الهدايا غالية الثمن، يعطيها العريس للعروس في صباح أول يوم من الزواج، كما ذبح أيامها 8 ذبائح كولائم للضيوف، 4 منها ظهراً على الغداء و4 ذبائح على العشاء. أما منزل الزوجية، فكان عريشاً مزيناً بساحة بساط، مصنوعاً من الشعر، ويتم إعداد العريش قبل العرس بيومين، ولا يكلف تأثيثه غير تلك الساحة التي تبلغ قيمتها 4 روبيات، بحسب المزروعي. حميد محمد سالم المزروعي (37 عاماً)، يقول: تشتهر منطقة أذن بجبالها التي تحتوي على صخور متنوعة تستخدم في الصناعات، خاصة جبل القمر الشمالي، الذي اتخذته الكسارات كمقر لتصدير المواد الصخرية منه، وأطلق عليه ذلك الاسم لانعكاس أشعة القمر عليه أيام البدر وظهوره بشكل لافت في تلك الليالي المقمرة، وأيضاً تربة أذن تتميز باحتوائها على مادة السليكا الحمراء. وعن الجبال المحيطة بالمنطقة، يقول: الجبال الأقل شهرة، فتتمثل في جبل القلعة، وهو على شكل قمة هرمية، وأيضاً جبال الحمراة التي توجد في المنطقة التي يطلق عليها الاسم ذاته، وكذلك جبل بو عويد، والمرزوز، وهو جبل صغير نسبياً مقارنة بالجبال الأخرى، وكذلك تشتهر قارة بن خنفر، في منطقة أذن كمنطقة تحدد فيها المكان وموقع الشخص، وهي حصاة جبلية كبيرة الحجم، يقال إن أحد مطاوعة الفريج كان يصعد فوقها ليشاهد الهلال، فإن رآه أطلق عيارين من بندقيته، وإذا لم يره، يطلق عياراً نارياً مرة واحدة. ويضيف موضحاً: تتمتع أذن بمسميات كثيرة للمناطق، على الرغم من صغر مساحتها، منها منطقة اللرفص، والخليو، وهي أماكن مرتفعة قليلاً عن سطح الأرض.