حضارة الشعوب برصيدها وتاريخها وعزة شعبها وتفاعله مع البشرية، وهي معايير ليست ذات علاقة بحجم الدول وامتدادها الجغرافي، وإنما بمكنون البلاد وما تمثله على خريطة الجغرافيا السياسية، والبحرين نموذج لهذا التوصيف الحضاري الذي يعالج الكيف قبل الكم، ويقيس جوهر وصفات الشعوب قبل معايير الثراء والتقدم، وهي مسألة عبر عنها بإيجاز شديد، الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، عبر كلمات محدودة العدد، ممتدة المعنى والتأثير، خلال حفل افتتاح الملتقى الخليجي للتخطيط الاستراتيجي، مؤكدا أن من حقنا أن نعتز ونفخر برصيدنا من الإصلاحات السياسية التي يمكننا الاستناد عليها، وأن المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى أعطانا هذه القاعدة السياسية وهو ما يعني في جملة محددة أن البحرين تعتز برصيدها السياسي الذي أرساه جلالة الملك، رصيد من العطاء والإصلاحات والتطوير، سبق بكثير حركات إصلاحية متعددة أحدثت صوتا عاليا وتأثيرا محدودا، في حين أن رصيد البحرين السياسي تخطى حواجز كثيرة وكان سباقا بمعايير التاريخ والجغرافيا، وامتد ليشمل مجالات كثيرة وحقوقا وحريات متعددة. ومن الطبيعي أن يشكل هذا الرصيد، والذي ألقى وزير الداخلية، الضوء عليه عبر رؤية فكرية مستنيرة وقراءة متعمقة لواقعنا، أساسا متينا للبناء عليه في المستقبل، فالمشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالة الملك متجدد بطبعه، لأنه يملك من الحيوية والمرونة التي تجعله ملبيا للكثير من الحقوق العصرية، بل وحتى المستحدثة، وقادر في الوقت ذاته على تصحيح المسار، وهذه هي سمات مشاريع النهضة والبناء ذات الطابع التنويري، وقد أوجز وزير الداخلية، هذا المعنى في كلمات مختصرة، تدعونا لأن نعتز بهذا الواقع الحضاري ونبني عليه مستقبلا مشرقا ينعم به جميع أبناء البحرين، فمن يرى أمامه مؤسسات سياسية وديمقراطية تمارس عملها في أجواء من الحرية والانفتاح، كمجلسي الشورى والنواب، ومن تابع الانتخابات النيابية التي جرت في 2014 وأفرزت مجلسا نيابيا وطنيا يمثل كل أطياف الشعب، وما نراه من عمل سياسي داخلي وخارجي مبني على دراسة ورؤية متعمقة للواقع واستشراف للمستقبل، من يرى كل هذه المؤشرات والمظاهر الحضارية عليه أن يطمئن على مستقبل أبنائه وأن القادم أفضل.. وهنا نقولها بكل وضوح: إن الشعوب التي تكتب تاريخها يجب أولا أن تسجل وبكل اعتزاز محطات البناء والتأسيس، والتي تشكل منطلقا للأمام وأساس عمل الأجيال المقبلة، ومادامت هناك قناعة بأن عطاء الأجيال متجدد، فإن الأمر يستحق أن نقف إجلالا وتعظيما لمشروع نهضتنا وحضارتنا، مشروع مليكنا المفدى للاصلاح... افتخروا ببلدكم واعتزوا بقيادتها، فهكذا الشعوب المتحضرة وهكذا يدوم عزها ويطمئن أهلها للمستقبل.