في عصر الاحتراف الرياضي وعصر القناعة أن الرياضة صناعة تبرز أهمية تطوير المسابقات الرياضية، يرى كثير من المنتمين للوسط الرياضي السعودي أن أحد أهم عوامل التطوير هو اظهار مسابقات الاتحاد السعودي بشكل أكثر جاذبية للمتابع وتحقيق العدالة بين الفرق المشاركة في مسابقاته المختلفة وتحديداً مسابقة (دوري عبداللطيف جميل)، هذه الجاذبية والمتعة والعدالة المنشودة يمكن تحقيقها من خلال منظومة رياضية متكاملة أحد أهم اركانها هو بناء جدول مباريات الدوري بشكل مناسب. كثرة الكسور أضعفته.. وإقالات المدربين دليل على سوء الجدولة دعونا نبدأ بالقول أن جدولة مباريات دوري في كرة القدم ليس بالأمر السهل - ولذلك اثباتاته العلمية - ولكنه ايضا ليس بالأمر المستحيل، سنتطرق هنا عن الجهات ذات العلاقة في بناء الجدول، واهم العوامل التي تساعد على بناء جدول دوري يحقق ابأهداف ومتطلبات تلك الجهات، عند القيام بذلك لابد من الاخذ في الاعتبار ان هناك جهات عدة ذات علاقة وتتأثر بجدولة الدوري، منها الاتحاد السعودي والأندية المشاركة في بطولة الدوري والقناة الناقلة والرعاة الرسميون للدوري والرعاة الرسميون للاندية والشرطة والجماهير وأمانات المدن التي تقع فيها الأندية المشاركة وغيرها. لكل جهة من هذه الجهات الحق في ابداء الرأي في جدول الدوري ولعلنا نذكر امثلة على ذلك للجهات التي ليس لها علاقة مباشرة بكرة القدم وهي: الشرطة، وأمانات المدن، فمثلاً قد لا ترغب الشرطه أن تقام أكثر من مباراة جماهيرية في الجولة ذتها وفي المدينة ذاتها ايضا (حتى لو كانت في يومين مختلفين) وبالتالي استنفار جزء كبير من طاقتها في ترتيبات هذه المباريات ما قد يؤثر سلبيا في ادائها في مهام أخرى ربما تكون أكثر أهمية. أما امانات المدن فقد ترغب أن لا تقام مباريات جماهيرية في المدينة في بعض التواريخ لتزامنها مع فعاليات كبيرة والعكس صحيح، فقد ترغب أحدى الامانات أن تقام مباراة جماهيرية في فترة معينة لجذب الجماهير اليها، هذه الجهات جميعها يتم مخاطبتها سنويا لاعداد جدول الدوري الانجليزي والدوريات العالمية في اوروبا وامريكا الجنوبية، اما العوامل الاساسية التي يجب مراعاتها عند بناء جدول لدوري كرة القدم فهي العدالة في توزيع المباريات وجاذبية الدوري للمتابع. ربما يفقد الدوري جزءا كبيرا من بريقه اذا كان غير جاذب للمتابع مثال على ذلك وهو سؤال لم نجد له اجابة لماذا تلعب مباريات جولة واحدة خلال اربعة ايام وهو ما حصل في (دوري عبداللطيف جميل) اكثر من مرة ونحن لا نزال في بداية الموسم؟. كثيرون منا عاشق لكرة القدم لكن لدينا نشاطات أخرى نرغب بالقيام بها، جدولة الدوري بهذا الشكل تجعل عملية ادخال مباريات بطولة كأس ولي العهد تتسبب بايقاف الدوري لفترات غير مبررة وهذا ما حصل فعليا عند تحديد مباريات دور الثمانية من البطولة ذاتها إذ توقف الدوري لمدة عشرة ايام، ويجب ان لا نغفل أن ذلك يزيد من احتمال تأجيل مباريات الاندية التي تشارك في بطولة دوري ابطال آسيا. التوزيع العادل أحد أهم عوامل العدالة في توزيع مباريات الدوري هو ان يكون هناك موازنة بين المباريات التي تلعب على ملعب الفريق والمباريات التي تلعب خارج ملعبه بحيث يكون هناك تناوب مستمر اي ان لا يلعب الفريق مباراتين متتاليتين على ملعبه (أو خارج ملعبه)، وهذا ان حدث في الجدول يطلق علية "كسر" أي ان التسلسل في اللعب على ملعب الفريق وخارجه قد تم كسره، ويعد الحصول على جدول للدوري من دون أي كسر لجميع الفرق مستحيل رياضياً لذلك يسعى كثير من الاتحادات حول العالم مثل الاتحادين الانجليزي والبرازيلي للحصول على جدول يحتوي على اقل عدد من الكسور مع الحرص على توازن عدد الكسور في جدول كل فريق، والحرص على عدم حدوث اكثر من كسر متتال (أي أن يلعب الفريق ثلاث مباريات متتالية خارج ملعبه أو على ملعبه). عدد الكسور في جدول (دوري عبداللطيف جميل) للموسم الحالي متوازنه لاغلب الاندية إذ إن هناك تسعة اندية لديها سبعة كسور في الموسم وثلاثة اندية لديها ثمانية كسور في الموسم لكن في المقابل هناك ناد لديه 11 كسرا وناد آخر لديه اربعة كسور فقط، وهذا بلاشك يعد عيبا في جدولة الدوري، وبالتالي غياب العدالة. اضافة إلى ذلك نجد ان ناديين لديهما كسران متتاليان خارج ملعبيهما أي انهما سيلعبان ثلاث مباريات متتالية بعيدا عن الأرض والجمهور، وهناك ناد واحد لديه كسران متتاليان داخل ملعبه أي انه سيلعب ثلاث مباريات متتالية بين جماهيره، نلاحظ أن هذه الكسور المتتالية حصلت في نهاية الدور الأول ومع بداية الدور الثاني وبالتالي لن يتكرر مرة أخرى في الدوري، ربما يكون هذا الامر مقبولا لو كانت مساحة المملكة العربية السعودية صغيرة. العامل الثاني في ميزان العدالة الذي يشارك ايضا في جاذبية الدوري هو ان المتابع لجدول الدوري السعودي في اعوام ماضية بما في ذلك (دوري عبداللطيف جميل) خلال آخر موسمين يجد أن الاندية المنافسة على اللقب تبدأ المنافسة بمباريات سهلة نسبيا لمدة ربما تتجاوز خمس جولات ما يعطيها الثقة في المنافسة حتى لو كان اعدادها للموسم ضعيفا بينما قد نجد أحد الاندية التي تصارع على البقاء وقد استعد استعداداً يليق بالدوري، لكن طموحه ربما قتل بجدول غير عادل إذ سيلعب أول أربع أو خمس مباريات في الموسم مع الاندية المنافسة على اللقب، وربما اغلبها خارج أرضه. التجارب العالمية تعتمد على تقسيم فرق الدوري الى مجموعات تسمى مجموعات القوة بحيث تتكون كل مجموعة من الفرق ذات المستويات المتقاربة وبالتالي تتم جدولة الدوري حتى لا يلعب الفريق مع فريقين من المجموعة ذاتها في جولتين متتاليتين وبالتالي نضمن وجود مباريات عالية المستوى خلال الاسابيع الاولى من الدوري. مثال بسيط، تشلسي واجه مانشستر ستي الاسبوع الثاني من الدوري الانجليزي، بافتراض تقسيم اندية (دوري عبداللطيف جميل) الى مجموعتي قوه بناءً على ترتيب الأندية في الموسم الماضي فقط (اغلب التجارب العالمية تعتمد على تقسيم الاندية بناء على ادائها خلال الاعوام العشر السابقة) وبتقييم الجدول للاسابيع الخمسة الأولى سنجد أن هناك اربعة اندية من التي تصارع على البقاء في الدوري وترغب في تقديم موسم متميز ستلعب مع اندية المستوى الأول في اربع مباريات من خمس مباريات وأن ثلاثة اندية من الاندية المنافسة على اللقب ستلعب مع اندية المستوى الثاني في اربع مباريات ايضا خلال الاسابيع الخمسة الأولى، الدليل على سوء الجدولة بهذا الشكل هو اقالة مدرب نادي الوحدة ومدرب نادي هجر بعد نهاية الجولة الخامسة التي نعتقد جازمين لو اختلف توزيع المباريات لكانت نتائج الوحدة وهجر مختلفة وبالتالي ربما يستمر المدربان في منصبيهما ولذلك بلا شك فوائده المالية والفنية لكلا الناديين. الفرص المتساوية احد عوامل العدالة يكمن في اعطاء فرص متساوية في بداية او نهاية الدوري، وهناك أفضلية للاندية التي تلعب المباراة الأولى في الموسم على ملعبها لكن بما أن عدد المباريات في الجولة الواحدة هو نصف عدد الاندية المشاركة فلا نستطيع المطالبة بأن تلعب جميع الاندية مباراتها الأولى على ارضها لكن من العدل ان نطالب أن من يلعب الجولة الاولى خارج ملعبه يجب ان يلعب الجولة الأخيرة على ملعبه والعكس صحيح، ربما يتفق معنا القارئ الكريم انه لا داعي لأن نذكر الافضلية للفرق التي تلعب اول مبارتين من الموسم على ملعبها والضرر للفرق التي تلعب أول مباراتين من الموسم خارج أرضها. بمراجعة جدول (دوري عبد اللطيف جميل) نجد أن هناك اربعة اندية فقط ستلعب احدى المبارتين (المباراة الأولى في الموسم والمباراة الأخيره في الموسم) على ملعبها والأخرى خارج ملعبها بينما العشر فرق الأخرى خمس منها ستلعب المباراتين على ملعبها والخمس فرق المتبقية ستلعب المبارتين خارج ملعبها، اضافة الى كل ذلك نجد أن احد الاندية مثلا سيختتم الموسم بمبارتين على ارضة بينما ناديان لعبا أول مباراتين في الموسم خارج ملعبيهما. أما جاذبية الدوري فتعتمد على عوامل عدة، على سبيل المثال احتمال حدوث تغيير في سلم ترتيب الدوري بعد نهاية احد الجولات يعد احتمالا ضعيفا لو أن جميع مباريات الفرق المتنافسة على الدوري لعبت على ملاعبها لأنه من المتوقع أن تكسب هذه الفرق نقاط مبارياتها على ارضها، بينما لو كانت أحد القيود المفروضة على معد الجدول أن يضمن أن تكون هناك مباراة واحدة على الاقل من مباريات الفرق المتنافسه تلعب خارج ارضة فإننا ربما نشهد تغييرا في جدول الترتيب بعد تلك الجولة. الجماهير أساس المتعة لاشك أن الحضور الجماهيري للمباريات يزيد من متعة الدوري وبالتالي العدل في توزيع عدد المباريات التي تلعب يوم الجمعة (منتصف اجازة نهاية الاسبوع) بين جميع فرق الدوري سيزيد من عدد الحضور الجماهيري في الملعب وبالتالي رفع مستوى متعة الدوري، بإمكان معد جدول الدوري أن يزيد من نسبة الحضور الجماهيري بالتركيز في وضع جميع مباريات الفرق الجماهيرية في منتصف الأسبوع لكن ذلك سيخالف مبدأ العدالة. ربما ينتج من جدولة الدوري افكار تسويقية تساعد على جاذبيه الدوري واتساع نسبة مشاهدتة وبالتالي يستطيع منظموه تحديد مجموعة من المباريات المهمة وبيع حقوق نقلها بشكل منفرد. هناك - نظريا - خمسة فرق منافسة على لقب الدوري وبالتالي لدينا عشر مباريات مباشرة بين تلك الفرق في كل دور (الدور الواحد يتكون من 13 جولة) وبإضافة احد "الدربيات" القوية من خارج هذه الفرق المتنافسة نستطيع ضمان أن تكون هناك مباراة ذات مشاهدة عالية في 11 جولة من اصل 13، وبالامكان زيادتها لو زاد عدد الفرق المتنافسة، اضافة الى ذلك هذه بعض القيود التي ربما تفرض على جدولة دوريات كرة القدم على مستوى العالم مع العلم ان أغلب التجارب الأوروبية والعالمية في جدولة الدوري تصب دائما في مصلحة العدالة وجاذبية الدوري مع الأخذ في الاعتبار رأي الجهات ذات العلاقة، ومن اهمها الجهة الناقلة لمباريات الدوري التي ربما نتطرق لها مستقبلاً. الحصول على جدول يحقق جميع القيود سابقة الذكر مع القيود التي تفرضها الجهات ذات العلاقة يعد من المهام الصعبة جدا وبالتالي ربما يلجأ مصممو الجدول الى ترتيب هذه القيود او الشروط حسب اهميتها وتحقيق اغلبها عن طريق صياغتها باستخدام أحد اساليب البرمجة الرياضية. يجب ان ننوه هنا أن الطريقة المثلى لبناء جدول الدوري تبدأ بمخاطبة الجهات ذات العلاقة السابقة الذكر وأخذ مرئياتهم وتفضيلاتهم (مرتبة حسب الاهمية) حول جدولة الدوري ثم بعد ذلك تتم محاولة ارضاء جميع الاطراف قدر المستطاع مع الأخذ في الاعتبار العدالة وجاذبية الدوري التي هي قيود يفرضها الاتحاد المشرف على البطولة. * وكيل عمادة الجودة لشؤون التطوير - جامعة الملك سعود