نقلت وسائل إعلام دولية عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن البنتاغون ينوي إرسال وحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا، عطفا على نشر مروحيات ضاربة في العراق.. هل هذه هي البداية المماثلة للمشهد في فيتنام؟ المؤكد أن القوات الأميركية هذه المرة كانت موجودة في الأصل في العراق، وعلى الحدود مع سوريا، غير أن التشابه المثير والخطير هو في المعركة الحالية بين مجمع الصناعة العسكري الأميركي على الأرض السورية العراقية ونظيره الروسي، فالأميركيون يضيرهم إلى أقصى وأقسى حد، أن يجدوا الأسلحة الروسية الجديدة تتلألأ في الميدان الدولي ويزداد الطلب العالمي عليها، فعلى سبيل المثال تلقى صانعو طائرات سو - 34 المزيد من الطلبات للحصول على هذه الطائرات، كما أن السباق يحتدم بين الصاروخ الروسي كاليبر ونظيره الأميركي توماهوك، عطفا على المقاربة بين الكلاشنيكوف الروسي التقليدي، والبندقية الأميركية الأشهر M - 16. يستدعي المشهد علامة استفهام جرت بها المقادير في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973: هل يسمح الأميركيون للسلاح السوفياتي وقتها بالانتصار على السلاح الأميركي؟ مع العلم أن ذاك السلاح كان بيد العرب وقتها أما الآن فهو في حيازة أصحابه الروس أنفسهم. من هنا يكون التساؤل: وماذا حال فشل فيينا بشكل مطلق واستمرار الروس في الميدان؟ حكما لن يبقى الأميركيون عاقدي الأيادي على الصدور، وهنا يخيل للناظر أن المواجهة الكبرى قادمة ولا شك.. هل هذا احتمال وارد وبقوة، أم أنها مواجهة نظرية لا يمكن بحال من الأحوال أن تجد لها متنفسا على الأرض؟ في فبراير (شباط) من عام 2012 تحدث وزير خارجية أميركا العتيد هنري كيسنجر عن الحرب العالمية الثالثة التي تقترب، وأشار إلى أن طرفيها هما الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة ثانية. والثابت أن التحالف الإيراني الروسي واضح للعيان، وهناك تنسيق في مواجهة «داعش» يجري عبر ما عرف بـ«غرفة بغداد»، وفي الوقت ذاته، يجري الحديث عن دور متعاظم قادم للصين والصينيين في هذه المواجهة مع «داعش» على الأراضي السورية، ناهيك بأنه في حال قررت بكين مساندة موسكو بريا في اجتياح المنطقة للخلاص من «داعش»، فإنها أفضل المرشحين بالفعل لأداء ذلك، وبخاصة أنها تمتلك أكبر جيش من حيث القوة العددية. مؤكد أنه إذا كانت القوة العسكرية الأميركية ستهزم الجيش الروسي في أي قتال تقليدي، فإن الحروب الحديثة ليست تقليدية، كما أن الجغرافيا والسياسة والأرض تعطي أفضلية لطرف على حساب الآخر، وفي هذا الإطار قد يكون لدى الروس أوراق قوة عبر نقلة الشطرنج الأولى في الميدان السوري. هنا يفهم المرء لماذا تسارع واشنطن عبر قواتها الخاصة إلى العراق لتكون في الجوار السوري وفي حالة الجهوزية لكل الاحتمالات، ومنها عدم التوصل إلى حلول سياسية في فيينا وأخواتها واتساع رقعة المواجهة لتخرج عن سياق مواجهة «داعش»، إلى مواجهة بين الأقطاب القائمة والقادمة. هل خيار المواجهة العالمية وارد بقوة أم أن الطرفين رغم كل الرطانة الإعلامية، حريصان على ألا يصل الأمر إلى هذا الحد؟ المؤكد أن القمة التي جمعت كلا من الرئيس الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا، لم تخرج إلا بشيء واحد، هو تأكيد الطرفين الروسي والأميركي على أن لا تصل الأمور إلى حد الصدام أو المواجهة المسلحة بين الطرفين، فهذا آخر شيء يريدانه، سيما وأنه يعطي فرصة للفوضى العالمية، التي يمكن لـ«داعش» وأخواتها أن تنمو وتزدهر فيها، لتلحق خسائر فادحة بموسكو وواشنطن معا. ومن هنا يستطيع المرء أن يتفهم تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب محادثاته مع نظيره الأميركي جون كيري، والتي أشار فيها إلى وجود قنوات اتصال بين الجانبين، لتجنب أي حوادث غير مقصودة، يمكن أن تقود إلى ما لا تحمد عقباه. ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أن هناك في الصفوف الخلفية الأميركية والروسية من الراديكاليين والمحافظين من يمكن أن يدفع في لحظة ما، إلى صراع لا يعرف مآله ومستقره إلا الله، فجنرالات المعسكر الصناعي الأميركي غير مهتمين بشيء قدر اهتمامهم بالترويج لصناعتهم، وإثبات مدى فاعليتها على الأرض، وجنرالات الروس يسعون إلى فرصة تاريخية للثأر من المذلة التاريخية، التي تعرضوا لها في فترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وساعتها لن يضحى للقاء بوتين - أوباما أي قيمة.