دعا خبراء وسياسيون واقتصاديون دول العالم والمنظمات غير الحكومية إلى الاستعداد لما وصفوها بـالتغيرات الهائلة، على شكل وأسلوب ومستقبل الحياة البشرية التي سيفرضها التقدم الرقمي، مؤكدين خلال نقاشاتهم في فعاليات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني، أمس، أن المؤسسات والمنظمات غير الحكومية والأفراد، تقدموا بشكل كبير على حكومات وأجهزة الدول في التعامل مع الثورة الرقمية. واعتبروا الإنترنت أداة حررت العالم، لكنها جعلته أكثر فوضى، موضحين أن عولمة الفضاء المعلوماتي تسببت في بلقنة خريطة الأمن المعلوماتي، وأشعلت حرباً باردة جديدة في الفضاء الرقمي. 30 % من الإرهابيين إناث اتفق المشاركون في الجلسة النقاشية الأخيرة لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني، التي عقدت تحت عنوان التطرف والإرهاب.. الخريطة العالمية والأنماط والاستراتيجيات، على أن الإرهاب أصبح ظاهرة معولمة، ولم يعد ظاهرة إقليمية، وعلى دول العالم ألا تتعامل مع الإرهاب فقط، بل عليها أن تتعامل مع فكر التطرف وجماعاته، داعين إلى الاعتراف بأنه يوجد في جذورنا الثقافية مسوغات للتطرف. وطالب المشاركون بضرورة تبني مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب، نظراً إلى أن 30% من أعضاء الجماعات الإرهابية من الإناث، فيجب دعم دور المرأة في التصدي للإرهاب من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين، وتقوية حضور المرأة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وقال مدير جامعة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور علي النعيمي إن هناك تناسباً عكسياً بين الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية وبين الإرهاب، وهذا ما أثبتته تجربة المغرب، فبعد تفجيرات الدار البيضاء اتبع المغرب سياسة الإصلاح السياسي ومشروع تنمية الإنسان وإصلاح الخطاب والمؤسسات الدينية، وهو ما أدى إلى انحسار خطر الظاهرة الإرهابية في المغرب. وأوضح أن النجاح في محاصرة الظاهرة الإرهابية لن يتم دون تكامل استراتيجيات مواجهة الإرهاب على المستويين الوطني والدولي. تأثير الفضاء المعلوماتي في الدولة شارك الأستاذ الملحق في كلية الدفاع الوطني الإماراتي، البدر الشاطري، ملاحظاته في الجلسة الثانية من أعمال الملتقى، بشأن تأثير الفضاء المعلوماتي في الدولة الوطنية، قائلاً إن مظاهر تأثير الفضاء المعلوماتي، بنيوية وسياسية وإيديولوجية، وتتفاوت هذه المظاهر في مداها بين الدول النامية والمتقدمة. وتابع أما التأثير السياسي فيتصل بإعطاء الفضاء الرقمي فرصة للجماهير الساخطة للتعبير، ويحد في الوقت ذاته من قدرة الدولة المركزية على استعمال القوة واحتواء الاحتجاجات، بينما يكمن التأثير الإيدولوجي في أن مفهموم الدولة لحدودها وهويتها أصبح محل منازعات من قوى خارجية أو مجموعات تعمل من خارج الدولة. واختتم ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي، فعالياته أمس، بخمس جلسات نقاشية، تناولت تأثيرات التكنولوجيا وعصر المعلومات الرقمية في مفهومي القوة والدولة، كا تطرقت إلى إعادة هيكلة النظم الاقتصادية، والخريطة العالمية وأنماط الإرهاب. وتفصيلاً بدأت فعاليات اليوم الثاني والأخير للملتقى - الذي عقد في قصر الإمارات بأبوظبي - تحت عنوان القوة في العصر الرقمي، إذ قال فيها مدير الجلسة، الباحث ومدير مشروع النظام الدولي والاستراتيجية، في معهد بروكنغز بالولايات المتحدة الأميركية، توماس رايت، نحن مطالبون بالبحث في دور القوة بعالمنا المعاصر الذي رسمت الثورة الرقمية ملامحه الى حد كبير خلال الـ 20 عاماً الأخيرة، وأن نفكر في ما ينبغي معرفته مسبقاً، إذ إننا نبحر بسرعة فائقة نحو مستقبل العالم الرقمي. وأضاف رايت أن العالم بدوله ومنظماته غير الحكومية وأفراده عليه أن يستعد من الآن للتغيرات الهائلة، التي يتوقع أن يفرضها التقدم الرقمي بتعقيداته على شكل وأسلوب ومستقبل الحياة البشرية. فيما أشار نائب رئيس ومدير مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي، في الولايات المتحدة الأميركية، باري بافل، إلى أن تطورات الأوضاع في مناطق الصراع لا سيما في الشرق الأوسط، انتجت شبكات إرهابية ذات بنى مركبة ومعقدة، استطاعت أن تكون من أبرز المستفيدين من الطفرة الرقمية. وقال إن تنظيم داعش مثلاً يستخدم الفضاء الإلكتروني للتجنيد والتمويل والتسويق ونشر الرسائل ذات المحتوى الدعائي بشكل لافت وسريع الوصول إلى جميع أنحاء العالم، بينما نرى في المجلس الأطلسي أن هناك تراجعاً واضحاً للدول حتى الكبرى منها في المعركة الرقمية، قابله صعود لافت للمؤسسات والمنظمات غير الحكومية في هذا السباق المحموم نحو الهيمنة على أكبر حصة من منافذ الفضاء الرقمي واستخداماته التي تكاد لا تُحصى. ورأى مدير عام مجلس الشؤون الدولية في روسيا، ومؤسسة أوراسيا الجديدة، أندريه كورتونوف، أن مفهوم القوة اختلف جذرياً خلال السنوات الـ 50 الأخيرة، إذ أصبح بإمكان الدول وحتى بعض المنظمات الأمنية والميليشيات الارهابية أن تعبر الحدود بسلاسة، وأن تخوض حروباً إلكترونية ضارية من بعيد وتنتصر فيها في عالم الواقع، على قوى تقليدية لطالما عرفت بالصلابة. في المقابل، رأت الباحثة والرئيسة الفخرية لمركز ستمسون الأميركي، الين ليبسون، أن الدول العظمى لاتزال أقوى مما يعتقد الكثيرون في سباق المواجهة الرقمية مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، الا ان التزامها الديمقراطي بتمكين الأفراد من أدوات العصر الرقمي، يعطي انطباعاً بأنها فقدت جزءاً كبيراً من قوتها الرقمية. وعبر مدير البحوث في المعهد السويدي للشؤون الدولية، يوهان اريكسون، عن مخاوفه مما أسماه بسعي الحكومات الشمولية حول العالم لفرض مزيد من الرقابة الصارمة على التكنولوجيا الرقمية وحرية تداول المعلومات. فيما حاولت الجلسة الثانية من أعمال اليوم الثاني للملتقى، التي عقدت تحت عنوان تأثير مستقبل الفضاء المعلوماتي في القوة والدولة، الإجابة عن أسئلة يطرحها التطور التكنولوجي وتناولت بالتحليل مدى جاهزية دول المنطقة لمواجهة التحديات التي يطرحها الفضاء المعلوماتي لأمنها وسياساتها وهويتها. وبدأت مديرة الجلسة أستاذة العلوم السياسية ومديرة شبكة النظام العالمي للتنمية المستدامة، نازلي شكري، بسرد سريع لعناوين التحديات التي يفرضها الفضاء المعلوماتي، قائلة إن الحلبة المعلوماتية نشأت وتطورت وأديرت من قبل القطاع الخاص، وإن الدول والحكومات دخلتها بشكل متأخر. وقال عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الأوروبي الإسباني، أنتونيو لوبيز إستوريز، في مداخلته إن ما يهمه كسياسي يعمل على قضايا الحريات العامة والأمن ورسم السياسات هو خلق توازن بين الانفتاح على المستقبل الذي يمثله فضاء المعلومات، وعدم خلق جدران عازلة أو إقامة أنظمة رقابة جماعية. ووصف سفير جامعة الدول العربية في إيطاليا والفاتيكان والمندوب الدائم للجامعة في الأمم المتحدة، ناصيف حتّا، الإنترنت بأنه أداة حررت العالم، لكنها جعلته أكثر فوضى، قائلاً بقدر ما ساعدت على دمقرطة انتشار المعلومات وتدفقها، بقدر ما ساعدت أطرافاً تعمل من خارج أطر الدولة. وأضاف أن عولمة الفضاء المعلوماتي تسببت في بلقنة خريطة الأمن المعلوماتي، وتسببت في حرب باردة جديدة تجري في الفضاء الرقمي.