هل ينبغي للسياسات الدوليّة أن تنسى السخرية فتظل على الدوام جادّة تبعث العالم على المزيد من الاكتئاب؟ سيردّ أهل الدعابة السوداء: ما هذا التجنيّ، فقد أصبح المرء لفرط المهازل لا يعرف حدّاً بين الجدّ واللعب؟ بعد خراب ليبيا، انتقى المجتمع الدوليّ جنرالاً إيطالياً لإحلال السلام في الجماهيرية العظمى سابقاً، الجلد على عظم لاحقاً. ولا عيب فيه غير احتمال زلّة اللسان، فيقول الإيطاليّ في طرابلس: ها نحن عدنا يا عمر المختار. الأشقاء الليبيون غير مشهورين بروح النكتة، خلافاً لجيرانهم الإخوة المصريين، ولكن الدعابة ليست دائماً مثل شعر برنارد شو: كثرة في الإنتاج وسوء في التوزيع، فطرائف ليبيا، الواحدة بألف، على رأي الشاعر:بغاث الطير أكثرها فراخاً.. وأمّ الصقر مقلال نزورُ. أيّ نكتة أظرف من أن السلطات الليبيّة كانت تعتقل مطلقي النكت أيّام القذافي، بينما كان لجمال عبدالناصر مكتب يجمع له النكت؟ وتلك بحق نظرة ثاقبة إلى مادّة تستحق البحث والدراسة بعمق. هي قائمة على أن النكتة سلاح سرعة انتقاله أخطر منه. لهذا يؤثر بعض علماء الاجتماع دراستها ضمن الشائعات، لا ضمن الفكاهة والطرفة والملحة والمزاج والدعابة والسخرية وما إليها. وهي لا تستطيع دخول الميادين الأدبية إلاّ إذا قطعت سبع مدن وسبعة بحار، واكتست حلّة أسلوبيّة مطرّزة مثلما يفعل الجاحظ بالنوادر.المسألة تشبه المراحل التي على مطرب الهشك بشك أن يقطعها إذا أراد تجربة حنجرته في المقام والقدود. الآن صار الأمر أسهل بعد خراب حلب. وما خرجنا عن الموضوع، فالخراب بالخراب يُذكر. لقد باتت السياسة شبح الليالي ونكد الدنيا، غير أن الشطط غلط، فلعلّ الأمم المتحدة أرادت أن يكون تعيين الجنرال الإيطاليّ من باب جبر الخواطر: أمس شنق الإيطاليون عمر المختار، وحين اشتركت دول الاستعمار القديم والجديد وشراذم الإرهابيين في شنق ليبيا وشعبها، عاد المستعمر نفسه لإحلال السلام. لا ينصرفنّ ذهن القارئ إلى أن الإحلال من ثلاثيّ حلل، ففيه شيء من تكبيرة الحلال وشيء من التحلّل والانحلال، وإنما المقصود المحذور، هو أن السلام الذي يراد إحلاله، يحتاج إلى محاربة أطراف لا يعرف إلاّ الراسخون في علم الناتو امتداداتها، وستكون المدّة رهناً بتحديد حصص شركات النفط بالسنت والشلن. لزوم ما يلزم: النتيجة المنسيّة: قد حكّ جلدك غير ظفرك، فلتنس أنت جميع أمرك. abuzzabaed@gmail.com