أمام القمة الخليجية في الكويت مجموعة من الملفات المتعددة الأوجه والمستويات، منها ما يتعلق بالمسيرة العامة لمجلس التعاون على طريق الاتحاد السياسي والاقتصادي، حيث متابعة الملفات الأساسية الآيلة إلى تحقيق الحلم المنشود، ومنها ما يرتبط بالتطورات المتلاحقة على المستوى الإقليمي والتي تنعكس بالضرورة على دول الخليج أمنياً وسياسياً واستراتيجياً، ويُعتبر المجلس بهذا الخصوص من الفاعلين في صياغة وجه المنطقة وما يموج فيها من عوامل متضاربة، حيث السعي الحثيث لبث أسس الاستقرار وتجاوز تداعيات الثورات العربية. وبالإجمال، لم يعد ممكنا الفصل التعسفي بين حجم الإمكانيات ونسبة التحديات، ولا التهاون أو التفريط إزاء الخطوات المطلوب إنجازها اقتصادياً وسياسياً للانتقال الآمن من مرحلة التعاون إلى حقبة الاتحاد، باعتبارها الأساس المتين لتكوين القدرة القمينة بمواجهة سلسلة التحديات الإقليمية الناجمة عن عاصفة التغيير التي لم تهدأ منذ هبوبها مطلع التسعينات من القرن الماضي. فمن غياب الاتحاد السوفياتي أولاً، وما تلاه من الهيمنة القطبية الأمريكية الأحادية على مجريات الأحداث في العالم، تنبثق صورة مختلفة نسبياً ونوعياً، من حيث تعدّد الأقطاب الدولية وإعادة الاعتبار إلى القوى الإقليمية، وميل الولايات المتحدة في المدى المنظور إلى الاحتكام إلى توازنات القوى المتبدلة وليس إلى تثبيت واقع ما والدفاع عنه بكل الوسائل، كما كان الحال طيلة العقود الماضية. وبعبارة أوضح، لا يمكن فهم الاهتمام الأمريكي بعقد الصفقة السياسية مع إيران بشأن تخصيبها اليورانيوم ورفع العقوبات الاقتصادية عنها تدريجياً بما يؤدي إلى تطبيع موقعها السياسي في المنطقة، إلا من قبيل النظرة الاستشرافية لمستقبل التوازنات الآتية وكيفية تعامل واشنطن معها. ويندرج في السياق نفسه، التعايش المستغرب مع ما يرتكبه النظام السوري من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تصل إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة، بل الاكتفاء بتسليم سلاحه الكيماوي وتدميره بدلاً من محاسبته ومعاقبته على استخدامه فعلاً ضد المدنيين والثوار على حد سواء، ثم ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية من أجل التحاور مع النظام نفسه على طاولة واحدة لإيجاد مخرج سلمي. إن هذه بمجملها مجرد إرهاصات لما يعتمل داخل منظومة السياسات الخارجية من تغيرات تلقي بأعبائها الثقيلة على دول مجلس التعاون كي تذهب قُدُماً نحو تنفيذ التوصيات والقرارات السابقة بخصوص التوحيد الاقتصادي يقيام السوق المشتركة والعملة الموحدة والسياسات الواحدة إزاء التعرفات الجمركية والاستثمار والعمالة الوافدة ومواجهة البطالة، فضلاً عن توحيد الاستراتيجيات السياسية والأمنية والعسكرية. فإذا كانت المنطقة مقبلة على صراع الأحجام ولعبة التوازنات المتبادلة فلا مناص من ظهور كتلة خليجية متراصة ومتماسكة ومنسجمة كي تتمكن شعوب المنطقة من الحفاظ على مصالحها المشروعة بالأمن والسلام والازدهار، فيما الاستمرار بالتوجهات المنفردة إزاء المشكلات الطارئة ورسم استراتيجيات ضيقة الأفق يعني فيما يعنيه تراجع دور مجلس التعاون في صنع الحاضر والمستقبل، والعجز عن مجاراة أدوار الآخرين القديمة والمستحدثة أخيراً، كنتيجة من نتائج الحراك الدولي ولعبة التحالفات العابرة والمتنافرة.