خرج الآلاف من ساكنة مدينة طنجة بأقصى شمال المغرب، ليلة السبت 31 أكتوبر/تشرين الأول، حاملين شعار "ارحل" في وجه شركة "أمانديس" الخاصة بتزويد الكهرباء والماء، وذلك احتجاجًا على الغلاء المستمر للفواتير، وعدم تفاعل الشركة مع شكاياتهم. المسيرة التي تعدّ الثانية من نوعها بعد مسيرة مشابهة خلال الأسبوع الماضي، بدأت من مختلف الأحياء في هذه المدينة الساحلية، قبل أن يتجمع المحتجون في ساحة الأمم بوسط المدينة، وذلك تزامنًا مع اتفاقهم على قطع الكهرباء في منازلهم لمدة ساعتين لأجل التأثير اقتصاديًا على هذه الشركة الفرنسية. ولوحظ في الطرق المؤدية إلى مكان المسيرة الاحتجاجية حضورًا أمنيًا مكثفًا، غير أنه لم تحدث أيّ مناوشات بين رجال الأمن والمتظاهرين، حيث حافظت المسيرة على سلميتها منذ البداية حتى النهاية، وتخلّلتها أشكال تعبيرية قوية، منها أساسًا إنارة المحتجين لآلاف الشموع، في رسالة مفادها أن باستطاعتهم التضحية بالكهرباء ما دام قد وصل إلى هذا الغلاء. ورغم أن ولاية طنجة أصدرت خلال هذا الأسبوع بلاغًا إلى عموم الساكنة بعد اجتماعات واسعة مع لجنة خاصة من وزارة الداخلية، لأجل حلّ مشكل غلاء الفواتير، غير أن ذلك لم يجعل السكان يوقفون احتجاجهم، لا سيما وأن الحلول التي جاءت في البلاغ لم تتضمن رحيل الشركة الفرنسية التي كانت السلطات المنتخبة بمدينة طنجة قد وقعت معها عقدًا قبل سنوات لتدبير تزويد السكان بالماء والكهرباء. وأشار البلاغ إلى ثمانية إجراءات، تتلّخص في مراجعة جميع فواتير الاستهلاك المنزلي ابتداءً من شهر يوليو/تموز 2015، وتحليل إجمالي للفواتير وتصحيح ما يطبعها من اختلالات، واعتماد عملية الإشعار بقراءة العداد، ووضع إجراءات استعجالية لتحسين ظروف استقبال المواطنين، ومنح العدادات الفردية الإضافية وعدادات مسبقة الدفع، وإحداث خلية دائمة لمراقبة الفواتير قبل وضعها للاستخلاص، وإحداث شباك للشكايات، وعدم قطع التزويد بشكل فجائي. ويظهر أن منتخبي مدينة طنجة شاركوا المحتجين استياءهم، فمحمد خيي عن حزب العدالة والتنمية الذي يقود المجلس الجماعي بالمدينة، أكد أن هذا الحراك "يعد حقًا مشروعًا للساكنة، وأن شركة أمانديس لديها سمعة سيئة"، وقامت على مدار سنوات بـ"ممارسات خاطئة أججت الغضب الشعبي ضدها". غير أن خيي، وفي تصريحاته لـCNN بالعربية، أبدى تحفظًا على مطالب الساكنة برحيل الشركة:" إن كان شعار إرحل يعكس التذمر الحاصل من خدماتها، فلديه كذلك تبعات قانونية ومالية وإدارية"، وذلك في إشارة منه لتصريحات عمدة طنجة، محمد البشير العبدلاوي، عندما قال هذا الأسبوع إن خيار رحيل الشركة غير مطروح حاليًا، بسبب ما يتبع فسخ العقد من أعباء مادية باهضة. وتابع خيي أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة عمومية) أكدت وجود اختلالات في عمل الشركة، وأنها تمادت كثيرًا في البحث عن مصالحها دون احترام مصالح الساكنة، مطالبًا قوات الأمن بالتعقل أثناء وقوع الاحتجاجات، لا سيما وأن المحتجين يعبّرون عن مطالبهم بشكل حضاري وسلمي جلب إعجاب الكثير من المتتبعين داخل المغرب وخارجه. ومن داخل المحتجين، أكد محمد المساوي، ناشط إعلامي، أن الاحتقان ليس وليد اليوم، بل يعود إلى عقد من الزمن، وأن الساكنة سبق لها أن قاطعت أداء الفواتير عام 2011 دون أن "يردع ذلك الشركة، ممّا أقنع السكان برفع شعار "ارحل"، لافتًا إلى أن نجاح الاحتجاج يعود إلى التعبئة التي قاموا بها، وكذلك إلى الاستفادة من إرث حركة 20 فبراير الاحتجاجية في التواصل مع السكان. وتابع المساوي لـCNN بالعربية: " رئيس الحكومة أعلن أنه كلما ارتفع استهلاك العداد عن الحد المعقول ستكون الفاتورة مرتفعة، بيدَ أن شركة أمانديس تناست أن هناك عائلات تشترك في عداد واحد، ممّا جعل الاستهلاك مرتفعًا، وبالتالي رفع ثمن الفاتورة"، مضيفًا: " الشركة لا تتواصل مع السكان بشأن شكاياتهم وتتعامل بمنطق أدِ الفاتورة ثم اشتكِ". ورغم موجة الاحتجاجات ضدها، إلّا أن الشركة الفرنسية لم تخرج ببيان توضيحي حول ما يجري وحول الاتهامات التي توجه لها. وتعدّ أمانديس واحدة من شركات ما يطلق عليه التدبير المفوض في المغرب، وهي شركات تعهد لها البلديات بتدبير بعض الخدمات الأساسية للمواطنين، ومن ذلك التزود بالماء والكهرباء، وجمع النفايات.