الخرطوم فتحي العرضي فاجأ التعديل الوزاري الجديد في السودان الأوساط السياسية والإعلامية بإبعاد الحرس القديم لإسلاميي السودان، وصعود عسكريي نظام البشير إلى المراكز القيادية في الحكومة السودانية الجديدة. وأرجعت مصادر سودانية هذه الخطوة إلى الصراع على السلطة بين معسكري مدنيي الحزب الحاكم من جهة، وعسكريي النظام الموالين للرئيس البشير من جهة ثانية. وأشارت المصادر إلى أن التعديل الجديد ربما يعبر عن خلافات غير معلنة داخل أروقة الحكم حول من سيخلف البشير، وأضافت المصادر أن البشير نفسه يرغب في خليفة له من داخل المؤسسة العسكرية، وتحديدا معسكر عسكريي النظام المقربين له، وذلك لجملة من الاعتبارات من بينها عدم ثقته في المدنيين وبرغماتيتهم التي قد تدفعهم للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية لاحقا في حال تقاعده من السلطة وعدم ترشحه مجددا للرئاسة السودانية. وألمحت المصادر إلى جملة من القواسم المشتركة التي تدفع البشير لاختيار الفريق بكري حسن صالح ليكون خليفته المفضل في الرئاسة، والفريق صالح بقي قريبا من البشير منذ عهد العمل في الجيش، وانتسب كل من صالح والبشير لسلاح المظلات. وربما يكون الضابط عمر البشير هو من جند بكري لخلايا الإسلاميين النائمة في الجيش. البشير وصالح يتشابهان في الخلفية الريفية، وهذه الخلفية تيسر من التواصل بين الرجلين، وتجعل كليهما يعجب بالآخر. النتيجة التي تعبر عن عمق هذه الثقة أن بكري حسن صالح ظل حاضرا في المشهد الإنقاذي «حكومة البشير» دون انقطاع، ويتقلب في المناصب، تارة حارسا لبوابة الرئيس كوزير لشؤون الرئاسة، وحينا وزيرا للدفاع وأخرى وزيرا للداخلية، وبين هذه وتلك مستشارا أمنيا لرئيس الجمهورية. فيما ترجع مصادر أخرى الخطوة إلى شقين داخلي وخارجي، وأرجعت الشق الداخلي إلى عزم نظام البشير القيام بمصالحة وطنية شاملة مع مختلف مكونات المعارضة السياسية لإرساء السلام الشامل والتدوال السلمي للسلطة بعد فشل الحلول الثنائية وتأزم الأوضاع الاقتصادية والأمنية مما ينذر بتغيير كارثي لا تحمد عقباه في حال حدوثه. وتعتبر خطوة إبعاد الصقور وحرس الإسلاميين القديم من مركز صنع القرار في الحزب والحكومة خطوة تعبر عن مدى جدية النظام، وبالتالى لم يجد أنسب من القيام بإبعاد مراكز القوى من صقور الإسلاميين والنافذين داخل صفوف الحزب الحاكم من مركز صنع القرار السياسي، في خطوة قَصد منها النظام أن تكون رسالة لمعارضيه تعبر عن مدى جديته في توافق سياسي مع القوى المعارضة، من خلال إقدامه على عملية التغير والتعبير بوضوح وإحداث تغييرات كبيرة عبر إبعاد رموز الإسلاميين من الحكومة والحزب الحاكم. واعتبرت المصادر الخطوة بمثابة إعلان موقف جدي مرن وعملي من النظام تجاه معارضيه بهدف الوصول لتسوية سياسية من خلال تعزيز الثقة المفقودة وسط معارضيه أولا، وتهيئة المسرح السياسي وصولا لحل شامل ينهي أزمات البلاد بعد التردي الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي في البلاد، وتفاقم الأزمات بصورة متزايدة عكست فشل النظام في إيجاد حل لأزماته من خلال الحلول الترقيعية التي أثبتت فشلها، ولم يبق أمامه من حل سوى الوصول لتسوية سياسية مرضية مع مختلف مكونات المعارضة السودانية بشقيها السياسي والمسلح، بعيدا عن الحسم العسكري والحلول الثنائية. وألمحت المصادر إلى احتمال مشاركة بعض أحزاب المعارضة الكبيرة خاصة حزبي الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي تمهيدا لخوض الانتخابات العامة في 2015، رغم نفي حزبي الأمة والشعبي المتكرر لعدم نيتهم المشاركة أو تقاسم السلطة مع المؤتمر الوطني، وترحيبهم بالمشاركة في حكومة قومية شاملة. واعتبرت المصادر الخطوة تمهيدية لتشكيل حكومة قومية لاحقا من المؤتمر الوطني بمشاركة بقية القوى السياسية المعارضة. خارجيا أراد النظام أن يبعث برسالة تطمين لدول الجوار في الإقليم وترميم علاقاته مع الفاعلين الدوليين في الإقليم من خلال إبعاد وتفكيك مراكز القوى من الإسلاميين داخل النظام والحزب الحاكم تماشيا مع موجة إبعاد الإسلاميين وحركات الإسلام السياسي في المنطقة بعد صعودهم لسدة السلطة عقب ثورات الربيع العربي. والرسالة التي أرادت الخرطوم إرسالها هي «لقد نفضنا أيدينا من جماعة الإسلام السياسي وإقامة حكومة عسكر صرفة» بمعنى أننا سرنا على خطى مصر، وربما تعزز هذه الخطوة الثقة مجددا في نظام الخرطوم من قبل الفاعلين في الإقليم خاصة بعد تقاربه مع إيران وتأييده حركات الإسلام السياسي في المنطقة، كما يأمل البشير في فتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية التي قد تدفع بمساعدات اقتصادية عاجلة تنعش اقتصاد البلاد المترنح، وارتفاع كلفة الإصلاحات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى فقدان النظام الحكم من خلال انتفاضة شعبية جارفة.