×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير الزراعة: نسعى إلى أن تحقق مشاريع الدواجن تنمية عالمية

صورة الخبر

لعل دورة الانتخابات المبكرة التي يصوت فيها المواطنون الأتراك اليوم لتحديد معالم البرلمان الجديد، وبالتالي صورة وهوية حكومة المرحلة، هي من أكبر منعطفات تاريخ الجمهورية الحديثة في تركيا، وخاصة بعد استئناف الحركة الديمقراطية، التي اغتالها العسكر 1960م، وأعدموا رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندريس. من بعدها عاشت الحياة السياسية التركية عواصف كبيرة واندلعت بها صراعات قومية وأيدلوجية عنيفة بين الدولة والحركة الكردية المسلحة وبينها وبين تيارات قومية ويسارية سياسية، إضافة لدورات النقض المتكررة للأحزاب الإسلامية التي شكلها الشخصية التاريخية لإسلاميي تركيا الراحل نجم الدين أربكان. ولم تحضر أجواء القلق الانتخابي التي تعود اليوم منذ دخول تركيا مرحلة الصعود الديمقراطي الجديد، والذي نشأ متدرجا تحت ضغط مشاعر الشارع العام بالحاجة الى مواكبة الاستقرار السياسي في أوروبا، ورفع فرص دخولها في الاتحاد الأوروبي، وتعب المواطن من تدخلات الجيش في الحياة المدنية، والتي كانت تستخدم خليطا من تحالف حزبي متعدد، يقوم بمهام حكومة ائتلافية، غير متجانسة أيدلوجياً. فعاش المواطن خلالها أزمات اقتصادية واجتماعية متعددة، وصعدت في حينها حركة مشاعر غبن كبيرة، إثر استمرار محاصرة المتدين المسلم في المجتمع ومنعه من حقوق دستورية ووطنية عامة، وخاصة في مسار التعليم والحجاب والتكافؤ الوظيفي. أما الصراع مع حزب العمال الكردستاني وتفاقم الأزمة الاجتماعية القومية بين الأناضوليين والأكراد الأتراك فقد كانت في أوجها، في حرب مفتوحة مستمرة بين الأمن والجيش التركي، وبين المسلحين الأكراد، وكانت الجنائز لا تتوقف بين الطرفين، والتي عاد بعض صورها اليوم، بعد نجاح إيران ونظام الأسد، في دفع الحزب لاستئناف عمليات العنف. وكانت تركيا استرخت وطنياً، بعد أن وقّع عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال وثيقة الصلح، وفوّض فريقا من مساعديه لوقف إطلاق النار بين حزب العمال وبين الدولة التركية، والتي رعاها رئيس الوزراء في حينه رجب طيب أردوغان وحزب العدالة، وتنفس المجتمع التركي في حينها الصعداء، وأُصدرت قرارات عديدة لتعزيز الحقوق الاجتماعية والدستورية للمواطنين الأكراد الأتراك. وعزز وقف إطلاق النار الاستقرار الذي بدأ يتصاعد من 1998، ثم انطلق بقوة بعد برلمان 2003 وحكومة الغالبية لحزب العدالة، وهذا لا يعني عدم وجود ملف من الأخطاء والفساد لدى الحزب يغشى الحياة السياسية، وخاصة في ظل الصعود والانفتاح الاقتصادي الواسع، لكن المؤكد أن تركيا جديدة وُلدت بالعملية الديمقراطية الناشئة. هذه الصورة تُقرّب للقارئ العربي معرفة ما هو الخط الفاصل الذي يجعل الناخب التركي ومستقبل الدولة في منعطف حسّاس، فهذه الانتخابات محصورة بنتيجتين، إما نجاح حزب العدالة بتعويض تراجعه في انتخابات يونيو حزيران الماضي، واستعادة قدرته بثقة شعبية كبيرة تصل الى أكثر من 43%، تعيده من جديد الى حكومة غالبية قوية، أو فقدانه لها من جديد وفتح المستقبل الى حكومات ائتلافية، به أو بدونه، بين أيدلوجيا متصارعة، قد تفتح الباب لهدم بنية الديمقراطية الناشئة، وعودة الحكم العسكري. كما أنها تفتح الباب الى تغيير إقليمي كبير، حيث يؤمن قطاع مهم من المعارضة التركية بضرورة تصفية القضية السورية والتخلص من اللاجئين، ولو بالتعاون مع روسيا وإيران ونظام الأسد، والموقف الغربي والأمريكي المساند لهم، وهي حسابات وإن وُجدت في وجدان جزء من الشارع التركي إلا أن جزءا كبيرا منه بات يعلم أن هذه القضية لن تقف عند سوريا، وأن هذه الصفقة سترتد على تركيا ذاتها، وقد تشعل حرب انفصال كبيرة، لو انتصر الأسد والإيرانيون في دمشق. وهو -قطعا- مخيف للمصالح العربية والخليجية، ومهدد لتوافقات التقييم والعلاقات الأخيرة بين المملكة وبين أنقرة، والتي انعكست في الزيارات الأخيرة المتبادلة، والموقف الموحد من التدخل الروسي الإيراني، والتنسيق بينهما لاحتوائه أو مواجهته بعد تبين فشل حوار «فيينا 2» المتوقع بصورة كبيرة. والسؤال الذي يهم القارئ العربي معرفته، ما هي حسابات الناخب التركي اليوم، وكيف سيُحدد قراره؟، واستطلاعات الرأي مختلفة، منها ما يؤكد تكرار النتيجة، وخسارة العدالة للغالبية الحكومية مجددا وعودته لنفس نسبته 39.9%، ومنها ما يؤكد زيادتها الى قرابة 42%، وبالتالي التحالف مع مقاعد بسيطة للعودة لحكومة غالبية، ومنها -وهو ما يتعزز دون جزم نهائي- أن العدالة تصعد فرصه لفوز كبير سيصل الى 44%، وبالتالي حكومة غالبية بثقة شعبية، وذلك لأسباب عدة أهمها: 1- جرب الناخب التركي فرص تراجع العدالة، وأنه قد يفتح الباب الى اضطراب واسع، في توقيت خطير على تركيا. 2- فقدت المعارضة جزءا من الزخم الذي تسبب في تراجع العدالة، وهو مهيأ اليوم لعودة هذه الأصوات لديه، خاصة في ظل خلافات حزب الحركة القومية، التي ترى قاعدته الاجتماعية أهمية دعم الدولة القوية اليوم في ظل استثمار الغرب للأزمة الكردية. 3- فقدان حزب الشعب الكردي ذلك المستوى لدعم تحالف المعارضة السابق له، ضد العدالة في انتخابات يونيو. 4- قلق شريحة من الناخبين -وخاصة ناخب الاستقرار الوطني من كل التوجهات والأعراق ومنهم شريحة من الأكراد- من فقدان سمات الاستقرار المدني الأخير، والتحسن الاقتصادي والاجتماعي، والخشية من حرب مركزية مع الأكراد، أو ضعف للدولة في مواجهة حزب العمال الماركسي، فيرتد على تركيا ويسقطها في دوامة صراع كبرى، فيما يظل أمل العودة لمشروع السلام الكردي قائما، لكن بعد هزيمة الجناح المتشدد من حزب العمال. 5- بروز تنظيم داعش، كخصم مباشر للحياة السياسية في تركيا بعد تفجيريه الأخيرين، ورغم محاولة المعارضة استثمارهما ضد العدالة، إلا أن المزاج العام ليس مقتنعا بذلك، ويُفضّل حكومة قوية، قادرة على المواجهة والاستقرار، وهذا لا يتحقق بمعادلة اليوم إلا عبر حكومة غالبية. 6- بعض رسائل التصحيح التي قام بها حزب العدالة في علاقته مع قاعدته الشعبية وتوجهه لمحاربة أكبر للفساد والبيروقراطية القوية في تركيا ونجاحه في تجاوز أزمة الانقسامات الداخلية. هذا مجمل قراءة المشهد التركي، قبل قرار صناديق الانتخابات، والتي سيصعد بعدها زعيم الحزب الفائز لمنصة النصر، ليُخاطب تركيا المستقبل، ومع الأتراك جمهور عربي إسلامي، محاصر من أزمات ومن تدخلات دولية وإقليمية إيرانية كبيرة، يخشى أن يفقد الشرق في هذه اللحظة ترسه التركي، فيسقط في الوحل الكبير.