×
محافظة المنطقة الشرقية

10 آلاف متبرع بالخلايا الجذعية في المملكة

صورة الخبر

أبوظبي منّي بونعامة: الكتابة هَمٌ وهاجسٌ يعتري المبدع فيعبّر من خلاله عما يختلج في أعماقه من أفراح وأتراح، شعراً أو نثراً، أو هما معاً، متى ما تسنى له ذلك، ويتأكد هذا المعنى بوضوح من خلال إلقاء إطلالة على المنتج الثقافي العربي والإنساني برمته، حيث الكتابة أداة تعبير تُتَرجِم بصدق، أو هكذا يُراد لها، ما يكابده الإنسان من شقاء وعناء، وتلامس شغاف نفسه، وتصل سويداء قلبه. وتشكّل الأجناس الأدبية على اختلاف أنواعها مساحة للبوح بذلك الهم والتعبير عن ذلك الهاجس، كلٌ بأسلوبه وطرائقه الخاصة وبصمته المائزة، لذلك يشار إلى فلان من الناس بأنه شاعر مفلق، أو كاتب متميّز، أو روائي مبدع وهلم جرا، بيد أن الإشكال الأهم يكمن في ما إذا حاول الشاعر مثلاً ارتياد عالم الرواية أو العكس، وأراد خوض غمار هذه التجربة وتحويل بوصلته في اتجاه جديد مختلف عن توجّهه القديم الذي عُرف به لدى الناس ما يطرح السؤال عن مدى مشروعية هذا التحوّل أو التوجّه؟ وهل للتجريب شروط وضوابط على المبدع أن يتحلى بها ومعارف عليه أن يتسلّح بها لولوج عالمه الجديد الذي يختلف، ربما، عن عوالمه الأخرى التي اعتاد عليها، وبها عرف في وسطه الثقافي؟ في البداية ليس سِراً بأن أيّ فن أو جنس من الأجناس الأدبية له خصوصيته وعدّته الخاصة وفنياته التي تختلف إلى حد ما عن الفنون الأخرى، فليس بالضرورة أن يكون الشاعر روائياً أو يكون المسرحي تشكيلياً، بل ثمة بون شاسع في طرائق التعبير وفنياته وأدواته، وهذا ما أدى إلى تباين آراء المبدعين أنفسهم حيال الموضوع، وتمايزهم ما بين مناصر للفكرة منافح عن حق المبدع في التجريب، وما بين معارض لخوض هكذا تجربة ومتحامل على من يرتاد حياضها، ولكل منهما رؤيته ونظرته ومبرراته التي أساساً منها بَلْوَر رأيه وفكره. في هذا التحقيق يتحدث مبدعون إماراتيون عن هذه الظاهرة الثقافية المهمة. يرى الشاعر أحمد العسم أن التجريب أو الكتابة في أكثر من جنس أدبي يؤدي إلى التشتت والتشعب وضياع الوقت في غير فائدة، لأن صاحبه لن يستطيع إجادة الفنون التي يكتبها بالمستوى نفسه، بل سيجد نفسه مبعثراً في كل ذلك، دون أن يفضي إلى نتيجة. وأكد العسم ضرورة أن يلتزم المبدع بجنس أدبي واحد وإتقانه بدل البحث واللهث خلف مواضيع أخرى لا تزيده إلا تشعباً، مشيراً أن ثمة العديد من الشعراء الذين أخلصوا للشعر ونجحوا فيه، ولم يتحولوا عنه إلى كتابة أجناس أخرى، وإن كان في أشعارهم ما يمكن أن يعتبر قصة أو رواية جميلة لكنها معجونة بالشعر ومنسوجة بصفائه وجماله. وعلى النقيض من ذلك يرى القاص إبراهيم مبارك أن التجريب شيء جميل وحق مشروع للمبدع، ومن الحريّ به أن يخوض غماره حتى ما شاء، مشيراً إلى أنه ليست للتجريب شروط أو معايير واجبة التحقق ولا يمكن من دونها الخوض فيه، بل لا ينبغي أن تكون أصلاً حتى لا تقيّد عمل المبدع. وأوضح مبارك أن مسألة النجاح أو الفشل في خوض التجريب لا تعني أن المبدع ليست لديه الإمكانيات أو الأدوات الكافية أو الخبرات الكفيلة بإحراز النجاح المتوقع، لأن المبدع نفسه قد يكتب نصاً معيناً، شعراً أو نثراً، بحسب الجنس الأدبي الذي يعرف به، ويكون أقل قيمة وتميّزاً من النصوص الأخرى التي كتبها، ولا يحظى بالقبول والحضور نفسه، مؤكداً أن التجريب، بشكل عام، مسألة تثري المنتج الثقافي للمبدع. وتفسّر الشاعرة الهنوف محمد ظاهرة النزوع إلى التجريب والحاجة إليه بأن المبدع قد يصل أحياناً حد الاكتفاء والارتواء في جنس أدبي معين حتى يصل إلى مرحلة لا يمكنه أن يقدّم معها شيئاً جديداً، وربما يقوده ذلك إلى خوض التجريب بحثاً عن أساليب جديدة وطرائق متنوعة يجد فيها نفسه أكثر انطلاقاً وتميّزاً. وأكدت أن التجريبي يتطلب من المبدع، قبل الولوج فيه، دربة ومراساً وعدة منهجية ومعرفية تخوّله خوضه، لأن الفكرة من التجريب، ليست بدافع التسلية أو إضاعة الوقت والجهد، وبالتالي لا يتحقق التجريب في اعتقادها إلا بتوافر تلك الشروط المهمة. وأشارت إلى أنها قد خاضت تجارب بدأت بالقصة القصيرة، ثم الشعر الذي اشتهرت به لدى الكثير من الناس، كما تنوي الانخراط في كتابة السيناريو بعد التسلّح بالعدة الكافية التي تخوّلها الكتابة في هذا المجال. ورأى القاص محسن سليمان أن التجريب أمر متروك للمبدع نفسه ولا ضير فيه إذا كان الجنس الأدبي الجديد قريباً من القديم، كأن يكتب القاص رواية أو مسرحاً، لأن الأمر هنا قد يعتبر امتداداً واستكمالاً لموضوع معين، وثمة الكثير من الكتاب حول العالم من ارتادوا هذا المجال على هذا النحو. وأشار إلى أن هذا النوع من التجريب يعد مقبولاً، لأن فيه نوعاً من التدرج المنطقي، لكن التجريب المرفوض أو غير المنطقي أن يكتب شاعر نبطي رواية أو قصة هي في الأساس تمثّل حقلاً مختلفاً عن نسقه الثقافي الذي يشتغل عليه، مؤكداً أنه ليست هناك شروط للتجريب لكن الأهم أن يكون الكاتب واعياً بما يكتبه، لا أن يكتب لمجرد الكتابة فقط والبحث عن الشهرة. أما الشاعر والناقد محمد عبد الله نور الدين فقال: التجريب في نظري فعل أدبي يفوق أهم جنس أدبي أهمية لأنه الوسيلة المثلى لاكتشاف حقيقة المقدرة الأدبية لدى المبدع فكيف يكتشف المبدع موهبته دون التجريب، وهو الشرارة الأولى التي تعلن ولوج المبدع إلى جنس أدبي جديد ليبدأ بعد ذلك مرحلة التدريب أو الممارسة كي يصقل مهاراته في الجنس الأدبي الجديد. وأشار إلى أن التجريب لأغراض غير غرض اكتشاف الموهبة وتنمية المهارة أو غيرها من سبل التطوير يشوه التجربة الحقيقية للأديب ويخرجه من سياقه الفني كون فاقد الشيء لا يعطيه. ومن هذه الأغراض قد تكون أغراضا تجارية أو تشريفية أو نوعا من عرض المقدرة الفنية ومنها استخدام فنيات جنس أدبي في جنس آخر والذي قد يشوه ملامح الجنس الهجين في أحيان كثيرة وقد يولد جنسا جديدا في أحيان نادرة كما حدث مع قصيدة النثر. وأكد أن التجريب في الجنس الأدبي من خلال استخدام تقنيات الفنون والأجناس الأدبية الأخرى يبقى من أهم العمليات الإبداعية التي تحتاج إلى مهارة ودربة وتضيف إضافة نوعية للتجربة الشخصية بشرط عدم تشويه النص الجديد.