كثيراً ما نسمع توصيات الأطباء والاختصاصيين بضرورة حصول الجسم على ما يحتاج إليه من فيتامينات وتعويض ما ينقص منها حتى نحافظ على حياة صحية خالية من الأمراض، ولكن قليلاً ما أثار الأمر اهتمام أحد من مستخدمي هذه الفيتامينات للتعرف إلى ماهيتها وتكوينها وفوائدها. يعتبر عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي كازيمير فانك الأب الشرعي للفيتامينات، إذ كان أول من أطلق عليها ذلك الاسم بعد التعرف إليها، ويتكون المصطلح من شقين، فيتا ويرمز إلى الحياة، وآمين، نسبة إلى المركبات النيتروجينية، وهي عناصر طبيعية تتوفر في الطعام الذي نتناوله يومياً، وتنقسم من حيث الأنواع إلى 30 نوعاً، بعضها له صفة المعدن، وتعتبر ضرورية لاستمرار الحياة ولتفعيل العمليات الحيوية التي يقوم بها الجسم. وعلى الرغم من احتياج الجسم إلى تلك العناصر بكميات قليلة، ووجود تلك الفيتامينات في الطعام الذي نتناوله كل يوم، إلا أن نقصان أحد الأنواع في الجسم يسبب مشكلات صحية مباشرة، وربما يسبب غياب أحد الفيتامينات المهمة ضرراً بالغاً يصل إلى حد الموت، إذ يعتمد الجسم عليها في توزيع الغذاء الخاص بالخلايا عن طريق الدم، فيحمل خلال دورانه عبر الشرايين والأوردة الأكسجين اللازم لاستمرار الحياة داخل تلك الخلايا، وعلى الرغم من آلية إنتاج بعض أنواع الفيتامينات داخل الجسم، إلا أنه يحتاج إلى الدعم الخارجي عن طريق التنوع الذي لابد من اتباعه في طرق التغذية، وبالمقابل فإن تناول الفيتامينات بكميات مبالغ فيها ربما يصيب الجسم بالتسمم المؤدي إلى الوفاة. ولأن الفيتامينات تعتبر من المواد المغذية للجسم، استطاع العلماء تشخيص نقصها من خلال بعض الأعراض والظواهر التي تنبئ بذلك، كما توصلوا لطريقة لقياس نسبة الفيتامينات في الدم، وتتلخص أعراض نقص الفيتامينات في قلة التركيز والإجهاد المستمر حتى مع الحصول على القدر الكافي من النوم، وسرعة الانفعال وصعوبة الاستيقاظ من النوم مع تراجع وظائف الذاكرة والتحصيل الدراسي. ويمكن القول إن الفيتامينات لا تعمل كأنواع بمعزل عن بعضها البعض، على العكس تماماً، مثلاً يقوم الكالسيوم - وهو من أشهر الأملاح المعدنية - بدور مساعد مع فيتاميني د وك بالتعاون مع المغنيسيوم في دعم نمو وتقوية النسيج العظمي والوقاية من لين العظام والكسور، وبالتالي فإن نقص أحد هذه العناصر يعني تراجع الحماية، ولكنه لا يبطل المهام التي يقوم بها كل من تلك الأنواع على حدة. أما أهم الخصائص الحيوية لفئة الفيتامينات فتتلخص في خلوها من السعرات الحرارية تماماً، ولكن ذلك لا يجيز الإفراط في تناولها نظراً للنتائج السلبية التي يمكن أن تظهر جراء ذلك، فالتوازن بين كل هذه العناصر مهم، ولا ينبغي ارتفاع أحدها على حساب الآخر. ولعل أول من شعر بأهمية الحصول على الفيتامينات هم البحارة الذين تقتضي مهنتهم البقاء لفترات طويلة من دون طعام طازج مدعوم بالخضروات والفواكه، إذ أصابهم نزيف اللثة، نتيجة نقص فيتامين سي. وبشكل عام يمكن تقسيم أنواع الفيتامينات إلى نوعين، الأول يضم فيتامين سي وبي المركب، ويتسم بالقابلية للذوبان في الماء، ويجب تعويض الناقص منه باستمرار حيث لا يمكن تخزينه في الجسم باستثناء بي 12، والنوع الثاني يضم أ، د، هـ، ك ويتسم بالقابلية للذوبان في الدهون. ويؤكد العلماء إمكانية الحصول على جميع أنواع الفيتامينات بصورة تلقائية مع الطعام، ولكن يجب تناول كل أنواع الطعام بصورة متوازنة ولا نخضع فقط لرغباتنا الشخصية التي تملي علينا تناول ما نحب من الطعام وتجنب ما دون ذلك، فإذا أردنا جمع باقة من الفيتامينات يجب أن تتضمن وجباتنا الخضراوات الطازجة والفاكهة واللبن الحليب والبروتينات النباتية والحيوانية والحبوب الكاملة، ويعتمد الجسم على وجود التنوع في الطعام حيث يحصل من كل نوع على ما يلزمه، علاوة على ذلك يحتاج الجسم إلى الأملاح المعدنية مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والصوديوم، وغيرها، وللحصول على هذه المعادن أيضاً لابد من مراعاة التوازن في الوجبات وتناول كميات كافية من الماء الذي يضم بعضاً منها، مع ملاحظة أن الفيتامينات تختلف عن المعادن، حيث ينحل التركيب الكيميائي للفيتامين بالحرارة أو الهواء، بينما تحتفظ المعادن بتركيبها، وبالتالي يمكن للجسم الحصول على الأملاح المعدنية اللازمة له من خلال المعادن الموجودة في التربة والماء عندما يأكل النباتات والأسماك، بينما يصعب عليه الحصول على الفيتامينات من الطعام والمصادر الأخرى لأن الطهي والتخزين والتعرض البسيط للهواء يثبط فعالية هذه المكونات. ومع تغير أسلوب الحياة أصبح نقص الفيتامينات يهدد قطاعاً كبيراً من الناس، نتيجة اختلاف نوع الطعام ومكوناته، وعلى سبيل المثال زاد إقبال الشباب على الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية والدهون المرتفعة نتيجة طعمها المحسَّن، بينما أهملت الأطعمة الطازجة، فظهرت حالات كثيرة من فقدان البصر الناتج عن نقص شديد في فيتامين أ بينما أدى تراجع فيتامين دي إلى ظهور حالات لين العظام والكساح وعيوب العمود الفقري وغيرها من المشكلات الصحية. ويعد فيتامين أ من أهم الأنواع اللازمة للحصول على قوة الإبصار، ويلعب دوراً في نمو الأطفال ويعتبر فقر الدم وتراجع المناعة والتغيرات السلبية في الشعر والبشرة من ظواهر نقص هذا النوع في الجسم، ويتوفر في العديد من الخضراوات والفواكه مثل التفاح والجزر والشمام والمشمش والليمون والطماطم والبطاطا والباذنجان، بينما تحتوي بعض الأعضاء الحيوانية على نسب مرتفعة منه مثل لحوم البقر والحليب والجبان والبيض وأكباد الدجاج. أما فيتامين د فيقوم بدور أساسي في تحفيز امتصاص الجسم للفوسفور ويساعد على نقل الكالسيوم إلى العظام والأسنان التي تحتاج إليه في النمو والقوة، ولهذا النوع خاصية لا تتوفر في غيره، حيث يمكن للجسم تصنيعه حال نقصانه، ولكن يعتمد الأمر على التعرض إلى أشعة الشمس حيث تحتوي على الأشعة فوق البنفسجية، العنصر الأساسي في بناء ذلك الفيتامين داخل الجسم، ونقص ذلك النوع يؤدي للإصابة بهشاشة العظام وفقدان الأسنان . أما الفيتامين ب فله قصة طويلة ومختلفة، إذ يضم مجموعة من الأنواع تبلغ 7 فيتامينات، ولعل السبب في ذلك هو الاعتقاد الأولي بأنه نوع واحد، ولكن كشفت الدراسات والأبحاث عن أنها مجموعة مختلفة تجمعها صفات متشابهة وتأثيرات متوازية حال نقصها، ونظراً لاستحالة تغيير الاسم بعد انتشاره، أطلق العلماء عليها أرقاماً إلى جانب الحرف، فظهرت الفيتامينات ب1، ب2، ب3، ب5، ب6، ب9، ب12. ويعتبر ب1 حامي كرات الدم الحمر وحارس الشهية نحو الطعام، إذ نفقد الرغبة في الأكل إذا تناقصت معدلاته، كما يقوم بدور حيوي ومعقد في عملية هضم الطعام، ويساعد الجسم على مقاومة الإجهاد واستحضار النشاط، كما يساعد في تحويل الكربوهيدرات إلى جلوكوز والذي يستخدم في إنتاج الطاقة التي تحتاج إليها جميع وظائف الجسم، كما يقوم بدور في تكسير الدهون والبروتين. وتظهر مشكلات عدة عند نقص هذا النوع إذ تتدهور الذاكرة وربما يصاب الشخص بمرض بري بري مع احتمال الإصابة بتشوهات المخ وضمور العضلات خاصة في منطقة الساقين. يتركز الفيتامين ب2 في النباتات ذات الأوراق الخضر العريضة (مثل الخس والجرجير)، كما يوجد في الخبز واللحوم وهو المسؤول عن الطاقة وعند نقصه تظهر عوارض محددة مثل تفادي الضوء وتقرحات الفم، أما ب3 فهو المسؤول عن انتظام عمليات الهضم كما يساعد أنزيمات الجسم على أداء وظائفها ويتوفر في الحليب والسمك والبيض واللحوم، يتسبب نقصه في فقدان الشهية واضطرابات الأعصاب والمخ، بينما يتوفر ب5 في المنتجات الحيوانية المختلفة والحبوب الكاملة، أما فيتامين ب6 فيعتبر المسؤول عن نمو الجسم وعن الشعور باليقظة والنشاط، ويؤدي نقصه إلى ظهور تراجع في جهاز المناعة مع التهابات في الفم، ويتوفر بكثرة في المكسرات والحبوب الكاملة، والمنتجات الحيوانية. ويكتسب فيتامين ب9 أهميته من دوره في تصنيع كرات الدم الحمر، وكذلك دعمه لنمو الجنين في مرحلة التكون، ونقصه يسبب فقر الدم ومشكلات النمو والاكتئاب، ويتوفر ذلك النوع في أكباد الحيوانات والبطاطا الحلوة والفطر والليمون، أما آخر أعضاء ذلك الفريق فهو ب12 المنوط به المحافظة على التوازن النفسي والعصبي لأجسامنا، حيث يقوم بدور محوري في أداء الجهاز العصبي وضبط النقص في خلايا الدم الحمر، ويسبب نقصه مشكلات ربما تصل لحد الانهيار العصبي. ويعد الفيتامين ج حجر الأساس في شفاء الجروح لدوره في ربط الخلايا ببعضها البعض عن طريق مادة الكولاجين، كما يدعم نظام المناعة ويتوفر في الفواكه مثل الشمام والجوافة والأناناس والكيوي، ومنتجات الحيوان، ويتعرض الجسم لمشكلات نتيجة غيابه تتلخص في الوساوس القهرية علاوة على التهابات الفم وفقدان الأسنان. تعتبر الزيوت النباتية مخزناً طبيعياً لفيتامين هـ حيث يتوفر بغزارة في زيت الفول السوداني واللوز، ويلعب دوراً مهماً في مقاومة الأكسدة والوقاية من الجلطات القلبية، ولأنه من الأنواع القابلة للتخزين، فإن الجسم يستخدمه عند الحاجة.