«عامود كهربائي» و«ثلاثة ألوان ضوئية»، تمتلك السُلطة في التحكم بحركة المركبات (السيارات)، ليؤخذ منها الإذن بالانصراف، ويقف قائد المركبة أمامها ملبياً ندائها المنبثق عن إشعاعها «طوعاً» أو «كرهاً»، تفصل بين المثول أمامها ولحظة الانصراف وهلة من الزمن. لم تقف سُلطة الإشارة المرورية الضوئية عند التحكم بالمركبات فقط، إذ كتبت سيناريو أدوار الشخصيات التي بدأت قصة حياتها عندها، مستظلة تحت عامودها لكسب لقمة العيش، وتكون المتحكم في موعد البحث والانتهاء خلال فترة لا تتجاوز الدقائق معدودة، فما أن تضاء الإشارة المرورية بـ«الأصفر»، وتحين معها لحظة استعداد وقوف السيارات، تبدأ معها لحظة الانطلاق لممارسة مهنة العمل لدى شخصيات كساها الفقر والحاجة، منتظرة لحظة انبثاق الضوء «الأحمر» بين المركبات، مسترزقة في ثوان بضع ريالات حتى ينبثق الضوء «الأخضر» فتنسحب إلى الأرصفة، معلنة لحظة التوقف، وكأن العلاقة بينها وبين المركبات علاقة عكسية. في جدة، خلال الـ90 ثانية - لحظة الوقوف - يشاهد قائدو وراكبو المركبات لقطات من نصوص روائية تتمحور عناوينها في «بائع الورد» و«أطفال التسول»، و«غاسل السيارات»، لتجتمع تحت سقف فيلم سينمائي عنوانه: «لقمة عيش تحت ضوء الإشارة»، تفوح منها مشاهد الحزن، فيما يثير بعضها الاشمئزاز، والبعض الآخر التذمر، منذ أن يسمع قائد المركبة صوت قرع النافذة بيد رسمت عليها خطوط الفقر. مهن كثيرة تمارسها شخصيات الإشارة، والهدف منها جني المال، فمنهم من يجني من التسول، لتجد العاجز والصحيح، والنساء والرجال، والكبار والصغار مرتدين ثوبها، مادين يد الحاجة طمعاً في أن يوضع في أكفهم ما يستطيعون أن يطعموا به أهليهم وأنفسهم. ومنهم من يجني ماله من حمرة الورد و بياض الفل، ليتجول بين المركبات بائعاً أغصان الورد وعقود الفل، أما الفئة الأخيرة فتجني مالها «قماراً»، إذ يدخل الشاب برأسماله المتمثل في زجاجة مياه معدنية وصابون وقطعة قماش... «جزافاً»، ليشرع في غسل المركبات، وكفة الكسب أو الخسارة تتأرجح. وعلى رغم أن إشارة المرور الضوئية ترصد مخالفيها الذين يتجاوزون أنظمتها وتطبق عليهم اللوائح والأنظمة، إلا أنها لم تتمكن من رصد الوافدين غير النظاميين الذين يمارسون تلك المهن تحتها، مستغلين دقيقة واحدة منحتها لهم، لتتصف الإشارة المرورية أيضاً بـ«الستر» و«العطف».