×
محافظة القصيم

وفاة طفل بعد سقوطه في حفرة صرف صحي بالقصيم

صورة الخبر

المنطقة المحرمة دولياً أن يطأها لسان إنسان أو يقترب منها بتشكيك هي ما سمي الهولوكوست أو المحرقة التي قيل إن هتلر أحرق فيها يهود ألمانيا في أفران الغاز. وما من سياسي أو رجل دين أو فنان لمّح تلميحاً إلى أن قصة المحرقة مبالغ فيها إن كانت حدثت فعلاً إلا وهوجم وحوصر وحُرم من منصبه أو مكانته، وعادة تبدأ محاصرته إعلامياً من قبل وسائل الإعلام الدولية المؤثرة التي تسيطر عليها المنظمات الصهيونية باعتبار الإعلام إحدى ركائز الحركة الصهيونية منذ أنشاها هرتزل في مؤتمر بازل بسويسرا العام 1897. ولأننا نحن العرب احترفنا دور الفريسة وتلذذنا بنهش أجسادنا المتعبة من دوار التبعية للغرب تارة وللشرق تارة أخرى، فقد أخفقنا في استغلال أخطر ما طرأ على حكاية الهولوكوست منذ أن بدأت بعد الحرب العالمية الثانية. نعني تصريح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي ادعى فيه أن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني هو الذي أقنع هتلر بإبادة اليهود. ما يعني نوعاً من تبرئة هتلر من الهولوكوست، أو على الأقل عدم تحميله المسؤولية الكاملة عن المحرقة المزعومة. وقد جاء اتهام نتنياهو في حمأة الانتفاضة الثالثة الحالية وفي إطار سلسلة الأكاذيب التي يروجها لكسب الرأي العام الإسرائيلي أولاً والدولي ثانياً في الحرب التي يخوضها الفلسطينيون العُزّل ضد أطول احتلال في العصر الحديث، والذين لا سلاح بأيديهم سوى الحجارة في الانتفاضتين الأولى والثانية، وسكاكين المطابخ في الثالثة. وكعادته في قلب الحقائق، أراد نتنياهو من كذبته تلك أن يحول المحتل المعتدي إلى ضحية، وإقناع العالم أن سكين الفلسطيني هي أكثر خطراً على السلم العالمي من الأسلحة الإسرائيلية، بما فيها النووية. لكن غلطة الكاذب بألف، وزلة حافر الحصان قد تودي بحياته. معظم الإسرائيليين هاجموا نتنياهو شخصياً، وهؤلاء إما المعادين لسياساته لأسباب حزبية وايدولوجية أو أنهم غلاة الصهاينة الذين تداعوا لترقيع الثقب الذي أحدثته تصريحاته في الثوب الصهيوني المفصل أصلاً لفكرة أن فلسطين هي أرض إسرائيل والأقصى أقيم على أنقاض الهيكل. فلم يحدث سابقاً أن شكك مسؤول إسرائيلي بالهولوكوست ومسؤولية هتلر عنها. نحن العرب لم نستغل حتى الآن هذا الكلام غير المسبوق عن الهولوكوست. وثمة خطوات يمكن اتباعها لإيقاظ الرأي العام العالمي، وبخاصة الأوروبي والأميركي من تأثير مخدر الهولوكوست الذي حقنته به الحركة الصهيونية على مدى سبعين عاماً واستنزفت أمواله وضميره، وجعلت حكوماته تقف إلى جانب الباطل الإسرائيلي ضد الحق الفلسطيني والعربي. من هذه الخطوات، أولاً: طباعة كلام نتنياهو وصورته على منشورات وتوزيعها على أوسع نطاق في محطات القطارات والباصات والشوارع الرئيسة ودور السينما والمسارح في المدن الأوروبية والأميركية. ثانياً: مخاطبة المؤيدين للقضايا العربية في البرلمانات الغربية ليشاركوا في حملة كشف كذبة المحرقة أو على الأقل تضخيمها. ثالثاً: نشر المنشور نفسه في الصحف الغربية المؤثرة في الرأي العام كإعلان مدفوع الثمن، ومنها: الواشنطن بوست، ونيويورك تايمز الأميركيتين، والغارديان، والاندبندنت، والفايننشال تايمز والديلي ميل البريطانية. ولوموند، ولوفيغارو الفرنسيتان. رابعاً: تبني المؤسسات العربية للحملة من خلال علاقاتها بمثيلاتها في الدول الغربية. وخامساً: تكرار عرض صورة المنشور في الفضائيات الدولية المؤثرة لمدة ثوان كإعلان مدفوع. إن من شأن حملة كهذه أن تؤثر في تحرير الرأي العام الغربي من عقدة الذنب التي لا ذنب لهم فيها وحملتهم من الضرائب مليارات الدولارات. كما من شأنها أن تحرر اليهود من استغلال الحركة الصهيونية للدين في تنفيذ مخططاتها المبنية على الأساطير والأكاذيب. لقد واجه مفكرون وإعلاميون لعنة الشيطان الصهيوني حين تجرأوا على التشكيك بالمحرقة، ومنهم المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي كان من أشهر مؤلفاته التي قادته إلى خوض معارك في المحاكم الفرنسية، كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، فبسببه واجه غارودي تهمة التشكيك في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بعدما أثار جدلاً واسعاً في فرنسا والعالم، واتهم بمعاداة السامية. في حين لاقى الكتاب ترحيباً واسعاً في العالمين العربي والإسلامي بعدما أدانته المحكمة الفرنسية عام 1998. وإلى إحدى قرى جبال الألب التي تنام وتصحو على بساط ثلجي وعلى بياض يمتد من المدى اللامتناهي إلى داخل الإنسان ضميره وعقله، هرب في أواخر التسعينات من باريس الأب بيير. وقتها، تجرأ رجل الدين الطيب وقال جملة واحدة: إن رقم ضحايا الهولوكوست مبالغ فيه، وإن ضحايا هتلر ليسوا يهوداً فقط. وما ان انتهى يوم على تلك الجملة حتى انتهى الأب بيير إلى قائمة المغضوب عليهم. اتهم بمعاداة السامية. نهشته وسائل الإعلام الفرنسية المتصهينة. أحس الرجل بقهر ثقيل، بكى، حزم أمتعته القليلة وإنجيله وهرب بما تبقى من عمره إلى الألب. أيضاً في أواخر التسعينات، نذكر أن جاك شيراك وكان عمدة باريس زار القدس المحتلة، وتحديداً باحة المسجد الأقصى، فيما كان نتنياهو، نفسه، يتحدى العالم ببناء مستعمرة أبوغنيم، وكانت فرنسا تتخذ موقفاً حازماً من السياسات الاحتلالية الإسرائيلية. يومها احتفى الفلسطينيون بزيارة شيراك وأحاطوا به أثناء تجوله في الأقصى. وما كان من الإسرائيليين إلا أن أطلقوا خيالتهم لتقتحم الباحة وتعتدي على الجميع، حيث أصيب شيراك بجرح في رأسه، كما أصيب عدد كبير من مرافقي شيراك الفلسطينيين والفرنسيين. لن يتهمنا أحد بمعاداة السامية، ولا بالتشكيك، فهذا كبيرهم نتنياهو هو الذي يشكك في المحرقة التي ربما لم تحدث.