حين ينظر إليها من بعض الزوايا، تمثل نيجيريا قصة نجاح مذهلة حقاً. ذلك أنه على الرغم من آثار الحقبة الكولونيالية المستمرة إلى اليوم، والحرب الأهلية المدمرة، والتفاوت الاقتصادي الكبير، وصعود حركة «بوكو حرام» المتطرفة خلال السنوات الأخيرة... فقد استطاعت نيجيريا البقاء دولة موحدة متماسكة منذ إنشائها من قبل المستعمر البريطاني قبل أكثر من قرن من الزمن. لا بل إنها رغم التحديات المختلفة التي تواجهها، وتوافر الظروف المثالية لانقسامها وتفتتها، ليس أقلها احتضانها لنحو 250 مجموعة عرقية ومئات اللغات، وانقسامها بين شمال مسلم في معظمه وجنوب ذي غالبية مسيحية، تُعتبر نيجريا اليوم أكبر بلد سكانياً في أفريقيا، وأول منتج للنفط فيها، وأكبر اقتصاد أيضاً. وكل هذا يمثل إنجازاً بحد ذاته، مثلما يكتب ريتشارد بورن، في كتابه «نيجيريا.. تاريخ جديد لقرن مضطرب». بورن، الذي يعمل باحثاً في «معهد دراسات الكومنويلث» في لندن، يقول إن «سؤالا وجودياً بخصوص وحدة هذا الكيان المتنوع لم يختفِ أبداً في الواقع»، ثم ينطلق ليسرد قصة هذا البلد منذ نشأته حتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في وقت سابق من هذا العام، ضمن أول انتقال ديمقراطي للسطة منذ استقلال البلاد عام 1960، وهدفه هو اكتشاف كيف استطاعت «هذه الدولة البقاء والاستمرار» رغم كل الاحتمالات المضادة. كتاب بورن يعرّف القارئ على بعض الشخصيات التي لعبت دوراً أساسياً في رسم ملامح البلاد مثل قادة الشبيبة القومية النيجيرية في أربعينيات القرن الماضي، والسلطات المسلمة التقليدية، والجنرالات المنشقين من مجموعة إيجبو العرقية الذين قاتلوا من أجل انفصال منطقة «بيافرا» جنوب شرق البلاد في أواخر الستينيات، والحكام العسكريين الذين كانوا يقدمون أنفسهم للعالم الخارجي باعتبارهم ديمقراطيين. غير أنه مما يؤخذ على الكتاب هنا مروره على شخصيات مهمة في تاريخ نيجيريا مرور الكرام، ولعل أبرز مثال هنا هو «أوبافيمي أوُولووُو» الذي يعتبر من شخصيات الاستقلال المهمة والأب الروحي السياسي للجنوب الغربي الناطق بلغة اليوروبا. وإلى ذلك، يحكي بورن ما يعادل قرناً من السياسة بشكل جد مختصر، مخصِّصاً حيزاً صغيراً فقط لمعالجة السؤال: «كيف تمكنت تنيجيريا من البقاء موحدةً ومتماسكةً»، وخاصة بالنظر إلى 10 عقود من الحرب والانقلابات العسكرية والحركات الاجتماعية وأكثر. كما أنه وفيما عدا إشارات متكررة إلى مقولة مأثورة للروائي النيجيري الشهير «شينوا أشيبي» من أن «مشكلة نيجيريا» هي انعدام الزعامة، فإن القارئ لا يجد في ثنايا الكتاب جواباً شاملا ومفصلا للسؤال المركزي حول سر نجاح نيجريا في البقاء دولة موحدة ومتماسكة. ثم يختم بورن كتابه بنبرة متفائلة، إذ يقول إنه مع الانتقال السلمي للسلطة هذا العام، تفادى هذا البلد التشظي والتشرذم بعد واحدة من أصعب الفترات في تاريخه الحديث. ولئن كان تغيير الحكومة من غير المرجح أن يأتي بـ«نتائج سحرية»، يقول المؤلف، فإن ما أظهره النيجيريون خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو «قوة مبهرة» و«ثقة كبيرة في مستقبلهم ومستقبل دولتهم». ولا شك أن هذه فكرة جيدة ينبغي استحضارها في وقت تجتاز فيه البلاد مرحلة جديدة من عدم اليقين بسبب انخفاض أسعار النفط، وتواجه فيه الحكومة الجديدة المهمة الصعبة المتمثلة في تطهير البلاد من الفساد المتفشي في السياسة والاقتصاد. محمد وقيف ... المزيد