يروي النمو الاقتصادي القوي والاستقرار السياسي في بولندا ما بعد سقوط إمبراطورية الكرملين قصة نجاح لهذه الدولة التي ظلت طيلة عقود طويلة مطمعًا للروس والألمان في اقتطاع أجزاء من أراضيها والتي اشتهرت بزعيمها ليش فاونسا الذي تحدى الاتحاد السوفيتي وأطلق ثورته على الحكم الشيوعي من ميناء جدانسك وليصبح عام 1990 أول رئيس لبولندا في فترة ما بعد الحقبة الشيوعية، وليستحق بجدارة نوبل للسلام. استمرت بولندا خلال الربع قرن الأخير ومنذ استقلالها عن التبعية للاتحاد السوفيتي عام 1989 تواصل مسيرة النمو والاستقرار حتى الأحد الماضي بفوز حزب القانون والعدالة القومي المحافظ الذي يعتبره البعض نقطة تحول في هذه المسيرة، والحقيقة أن خبر فوز بيتا سزيدلو (52 عامًا) -ابنة عامل المنجم- في الانتخابات الرئاسية في بولندا أمس الأول لم يكن خبرًا سارًا لدول الاتحاد الأوروبي، فهذه السيدة التي يتوقع المراقبون أن تكون المرأة الحديدية في بولندا كما هي أنجيلا ميركل في ألمانيا، والتي صعد نجمها على إثر المناظرة التليفزيونية قبيل الانتخابات في مواجهة رئيس الوزراء إيوا كوباز الذي بدا ضعيفًا ومهزوزًا أمامها، هذه المرأة رغم أنها لا تشغل منصب رئيس حزب القانون والعدالة -والمعروف عنه مناوأته للاتحاد الأوروبي- إلا أنها الأكثر ولاءًا له، ولا يخفي أولئك المراقبون مخاوفهم من أن يتعرض الاقتصاد البولندي الذي ظل ينمو باطراد خلال حكم حزب المنبر المدني على مدى السنوات الثماني الماضية أن يتعرض إلى التراجع في ظل السياسات الجديدة المتوقعة للحكومة البولندية الجديدة، ورغم أن حزب القانون والعدالة لم يحصل سوى على 37.7% من الأصوات، إلا أن هذه النسبة تخوله بموجب الدستور تشكيل الحكومة بمفرده. الفوز الكبير لحزب القانون والعدالة بالرغم من أنه جاء مثيرًا للقلق لدى دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، إلا انه لم يكن مثيرًا للدهشة في ظل السياسات المتأرجحة في دول الاتحاد.