في مشهد من فيلم جون ويك، نرى الممثل الأميركي كيانو ريفز مقيداً إلى مقعد، ويقول: الناس تسألني دائماً إن كنت سأعود، نعم، سوف أعود. هذا المشهد إسقاط مباشر على الممثل، الذي تخبط في مشاريع فاشلة، منذ انتهاء ثلاثية ذا ميتريكس عام 2003. مشاريع أساءت لاسمه في هوليوود، وكادت تجعله ممثلاً من الدرجة الثانية. مر عقد كامل على الفشل، وهو ما يدل على أن ممثلاً ما بدأ يتجه للأفول، لكن ريفز يتمتع بروح قتالية عالية ضد الأفول كشخصيته في الفيلم المذكور فقرر خوض التجربة الجديدة عندما عرض عليه نص فيلم جون ويك. إعجاب ممثل بنص فيلم قد يتعلق إما بذوقه في اختيار الشخصيات وإما خبرته في شخصيات أداها في أفلام سابقة، وبالنسبة لجون ويك فإن ريفز تعلق بالشخصية لأنها قريبة جداً منه شخصياً. جون ويك فيلم بلا قصة وفي هوليوود يطلقون على هذا النوع من الأفلام اسمPlotless. في هذه المساحة سنستعرض أسباب قوة فيلم جون ويك رغم افتقاره إلى القصة. رجل عصابات العمل عن قاتل مأجور متقاعد يعود إلى منزله من مراسم دفن زوجته، التي توفيت تلميحاً بمرض السرطان، تطرق باب منزله موظفة خدمة التوصيل لتعطيه قفصاً فيه كلب مرفق برسالة من زوجته كتبتها قبل وفاتها تقول له: إن الكلب هديتها له وهو سيسليه بعد رحيلها. يخرج جون ويك في جولة بسيارته الموستانغ الكلاسيكية طراز 1969، ويتوقف في محطة بترول، يتصادف وجوده مع مجموعة من الروس نعلم في ما بعد أنهم من المافيا الروسية، يعرض عليه أحدهم شراء السيارة، فيرفض ويمضي في حال سبيله. في تلك الليلة يتعرض ويك للهجوم في منزله من قبل عصابة تسرق سيارته وتقتل كلبه، ويتضح أن قائد العصابة هو الابن المدلل لفيغو زعيم المافيا الروسية، وعندها يقرر ويك الانتقام من فيغو ،الذي يعلم أن معركته خاسرة لا محالة، لكنه يصمم على المواجهة دفاعاً عن ابنه الوحيد. تشويق التحدي الأكبر هو تحويل قصة مستهلكة كهذه إلى فيلم شائق. السر بالطبع في أسلوب المعالجة المبتكر الذي طبقه المتخصص السابق بأدوار المجازفة والمخرج الجديد تشاد ستالسكي. وما فعله الأخير مشابه لما فعله كوينتين تارانتينو في فيلم Django Unchained ولبيير موريل في فيلم تيكن الجزء الأول. تارانتينو حول قصة انتقام عادية إلى مواعظ عن موضوع العنصرية، وموريل أضفى مصداقية أداء ليام نيسن على نفس القصة المستهلكة، فضلاً عن قدرة كاتب مثل لوك بيسون على تحويل نص قد يرمى في سلة قمامة أحد استوديوهات هوليوود إلى مادة غنية بجودة إنتاجية عالية. ستالسكي أدرك هذه النقطة، فوضع قصته في قالب غني بالفنيات من دون أن يغير أي شيء فيها، وهو ما أضفى لمسة تجديد على الفيلم. المشاهد مزينة بإضاءات ملونة زرقاء وخضراء وحمراء، وهو العامل الذي أعطى الفيلم طابعاً فنياً متميزاً جعل جون ويك فيه شخصية من كتب القصص المصورة. سلاسة الفنيات امتدت أيضاً إلى مشاهد الحوارات باللغة الروسية، التي ظهرت ترجمتها بشكل بارز على الشاشة ما أخرج الفيلم من القالب الواقعي وأدخله بسلاسة في القالب الفني، فضلاً عن أن ستالسكي حرص على مواءمة الكاميرا مع الفنيات، إذ وضع مشاهده في أطر منتقاة بعناية فائقة أبرزت جمالية كل مشهد على حدة، حرص على ذلك بتثبيت كاميرته على الرافعة، وتجنب حملها يدوياً لتلك المشاهد تحديداً. أدخل ستاسكي كيانو ريفز دورة في الجوجيتسو والجودو مدتها 4 أشهر، إضافة إلى حضور تدريبات فريق الأسلحة والتكتيكات الخاصة التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية، وهي الخطوة التي أثمرت إيجابياً لصالح الفيلم، حيث ظهر الخمسيني ريفز بلياقة ثلاثيني ورشاقة لم تظهر على أي ممثل في عمره إلا توم كروز. لقطات مشاهد القتال اليدوي تشير إلى أن المخرج ستالسكي تركها حرة لمصمم حركات القتال جوناثان إيوسيبيو، ولم يتدخل فيها أو يحاول الالتفاف حولها ،كما يحدث عادة مع آرنولد شوارزتزينيجر وستيفن سيغال ودانزل واشنطن في فيلمه The Equalizer العام الماضي، ونرى ذلك واضحاً في نوعية اللقطات العريضة والواضحة، التي يتحرك ريفز ذو اللياقة العالية في إطارها بأريحية كاملة. بيئة الفيلم وبالنظر إلى بيئة الفيلم، نلاحظ من المشاهد أن مدينة نيويورك بدت خيالية بالكامل من خلال مظاهر عدة: أولاً اللقطات التي تمر فيها الكاميرا من أعلى البنايات نرى منها مدينة موحشة خالية من الناس، ثانياً: كل مشاهد تبادل إطلاق النار بين جون ويك والعصابة تدور في شوارع خالية من رجال الشرطة، بل إن الشرطي الوحيد الذي نراه في الفيلم يظهر على شكل ظل من خلال زجاج باب منزل ويك عندما يطرقه ليسأله: هل كل شيء على ما يرام؟ سحر المشهد في سرياليته التي تعكس وجود رمز القانون في الظل، بينما العصابات هي المسيطرة على نيويورك. ثالثاً: العملة المستخدمة في الفيلم هي العملة الذهبية، وهو ما يضع الفيلم في عالم غير عالمنا. رابعاً: الفندق الكونتيننتال يستخدم لاستراحة القتلة المأجورين، لكن شرط مالكه الوحيد ألا تنفذ أي عملية فيه. كل هذه إيحاءات للبيئة الخيالية التي يتخذها الفيلم مسرحاً له. أجواء القصة أجواء قصة الفيلم مشابهة لأجواء فيلم The Usual Suspects عام 1995، الذي كان ذكر اسم زعيم عصابته كايزر سوزيه، يبث الرعب في أوصال سامعيه، وكذلك ذكر اسم جون ويك وتشبيهه بالبعبع أو The Boogeyman كان له الأثر نفسه في أوساط عصابات نيويورك. ستالسكي وريفز تجمعهما علاقة عمل تمتد 20 عاماً، وبتضافر الرؤية التنفيذية للأول، وتكريس الثاني نفسه للدور تحولت قصة مستهلكة إلى ثاني أفضل فيلم حركة وإثارة لعام 2014. 20 مليون دولار ميزانية العمل وهي منخفضة بالنسبة لفيلم حركة وإثارة من هذا المستوى 78 مليون دولار إيرادات الفيلم ما يعد 3 أضعاف ميزانيته تقريباً 05 ملايين دولار عائدات جون ويك في يوم الافتتاح 43 مليون دولار العائدات في أميركا الشمالية فقط %60 من جمهور الفيلم كانوا من الذكور 01 المرتبة التي احتلها الفيلم في عدة دول أبرزها الإمارات وفرنسا