حين كنت في المرحلة المتوسطة، وفي أحد الصباحات كانت كل سماعات ومايكروفونات المدرسة (تطحن) بأناشيد وهتافات وآيات أثناء الطابور لتصرخ احدى المعلمات بحماس (الله أكبر، أفغانستان تنتصر!)، لم أفقه سر سعادتها لكني صفقت كالبقية، باعتبار أن المسلمين انتصروا. وحتى اللحظة ما زالت أفغانستان تتخبط بين الحروب والاغتيالات وحكومات الظل، وتدار فكرياً بكل ما تمليه القاعدة. الوضع نفسه في سوريا والعراق فداعش (الابنة الشريرة وغير الشرعية للقاعدة) تقبض أرواح المواطنين دون استثناءات دينية، ولربما كانت إحدى بنات أفكار القاعدة الأكثر خبثاً، والتي استطاعت النفاذ لعقول أبنائنا بأساليب متطورة وغريبة. والسؤال الذي أطرحه بعد فوضى التدخلات والتداخلات، وبعد نهاية كل هذه المسرحيات العسكرية السياسية، هل ستنتهي داعش؟ والأمر سيان للحوثيين فهم لن يتبخروا من اليمن، ولن يهلكوا في النار فجأة! اذا فما هي مخططاتنا مع هذه المتغيرات التي تقوض دولاً مجاورة وجارة، وتستهدف شبابنا وأطفالنا وأمننا الوطني. أحد المحللين العسكريين والسياسيين غرد مستنكراً التحول في الفكر الشبابي (بأن جدي وجدك) عاشوا في ظروف سيئة وهم شباب وكافحوا، ولم يقتلوا أو يكفروا أو يفجروا؟ وهذا صحيح ولا خلاف عليه. لكني أظن أن أحد أكبر مشاكلنا في التعامل مع الشباب والمراهقين تكمن في أن العدو قد طور من أدواته وأساليبه الماكرة للاستحواذ عليهم، ونحن ما زلنا نعتمد ولو جزئياً على انجازات وعقلية (جدي وجدك). الكثير من العلوم قد تطورت لتأثير وغسل الأدمغة ومنها علوم الذبذبات، والبرامج الالكترونية والمخدرات الرقمية وهي أقرب للسحر كما ورد على لسان والدة سعد قبل حادثة الشملي (هذولا ما هم عيالنا اللي نعرف، هذولا مسحورين). هل تدرك معنى أن تصحو صباحاً لتجد في بيتك مذبحة، وأي بقعة في قلبك ستستمر بالنبض لو نجح هؤلاء في تجنيد ابنتك عوضاً عن ابنك. أمور جديرة بالدراسة والاشارة (لم يركز الداعشيون على تجنيد الشباب السعودي بنسب أعلى من الشباب الخليجي، والذكور بنسب أعلى من الاناث). استخدام المؤثرات العقلية منحنى خطير لا تجدي معه برامج الوقاية الشبابية المملة. وكان أول مَن ابتكَر اصطلاح غسيل الدماغ صحفي أمريكي يُدعى إدوارد هنتر، إذ لاحظ أن ثلث أسرى الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكوريَّة قد اتخذوا اتجاهًا معادياً لوطنهم، وتَجارِب بافلوف التي طبَّقها الشيوعيون على الأسرى والسجناء، باستثارة المخ بالاستمرار في فرْض التوترات الصناعيَّة؛ بوسائل سيكولوجيَّة، أو باستخدام العقاقير، حتى يَصِل إلى مرحلة نهائيَّة من مراحل الانهيار الانفعالي والاستسلام. لا بد أن نعي أن شبابنا في أزمة حقيقية وأننا بحاجة لتطوير العقلية الوقائية لا العلاجية فقط، وفرض غرامات وايقاف بحق الشركات التي تعمدت التلاعب بالأطفال تفعيلاً لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالمؤثرات العقلية 1971، وحجب المواقع الضارة مع تكريس ثقافة حفظ الأمن والولاء للوطن. ومع احترامي الشديد لفكر وقامات أجدادنا ودورهم في دعم تأسيس هذا الوطن، لكن لكل مقام فكر يناسبة.