في الأشهر الأولى من انطلاقة الثورة السورية عام 2011 دعا الملك عبدالله – رحمه الله- في خطاب تاريخي بشار الأسد إلى القيام بإصلاحات شاملة وسريعة في بلاده لتفادي الانجراف إلى أعماق الفوضى والضياع، فماذا اختار الأسد؟ بعد أربع سنوات ونصف من النزاع يبدو جلياً أن رئيس النظام السوري اختار لبلاده الطريق المظلم الذي أدى فيما بعد إلى مقتل عشرات الآلاف من مواطنيه وتشريد الملايين في دول الجوار ودول أوروبا، بعد أن أصبحت سورية أرضاً شبه محتلة من إيران وميداناً لصراع المصالح بين الدول العظمى، وهذا هو خلافنا مع الأسد. تدرك الرياض أن بقاء النظام الحالي في السلطة لن يؤدي إلا إلى المزيد من القتل والدمار في سورية لذلك كان الموقف بالمطالبة برحيل الأسد واضحاً وصريحاً بعد أن رفض كل المبادرات الإقليمية والدولية التي كانت تسعى منذ البداية لإخراج هذا البلد العربي الشقيق مما يمر به من معاناة. كان السوريون قادرين وحدهم على إزاحة النظام رغم استخدامه المفرط للقوة التي ظنوا مخطئين أنها كانت موجهة لأعدائهم، ولكن استعانة الأسد بقوات الحرس الثوري الإيراني ومليشيا حزب الله ومن على شاكلتها من مليشيات عراقية هو ما أدى إلى تقسيم سورية إلى مناطق صراع ونفوذ سمحت لانتشار جماعات متطرفة لم يكن لها لتظهر أمام العالم بهذا العنف والوحشية لولا رعاية نظام الأسد وحلفائه. شماعة الإرهاب نجحت إلى حد كبير فتسابق العالم إلى ضرب مواقع داعش في العراق وسورية، وبعد عام من الضربات الجوية التي لم تقض على التنظيم المتطرف تدخلت روسيا لضرب مواقع المعارضة بناءً على إحداثيات زودت بها من قبل قوات النظام فتركزت الغارات على كتائب الجيش الحر على أطراف محافظة اللاذقية أحد آخر معاقل الأسد تحت ذريعة محاربة داعش! واليوم تحولت سورية إلى حلبة استعراض جوي تتنافس فيها طائرات السوخوي 35 والميغ 31 الروسية مع الإف 16 والإف 22 الأميركية إلى جانب التوريندو البريطانية والرافال الفرنسية، وعندما لم يفلح التنسيق العسكري في تقاسم السماء والأهداف بدأ الحديث مجدداً عن المرحلة الانتقالية التي قد تسمح ببقاء الأسد لفترة محدودة. وللعلم ليس ذلك وحده ما دفع بالقوى العظمى للتحرك بل هروب عشرات الآلاف من السوريين إلى الشواطئ الأوروبية بعد أن ضاقت بهم الحال في مخيمات اللجوء التي عاشوا فيه سنوات عجافاً دون أمل قريب في العودة، وهنا أدرك العالم بأن الأزمة تحولت مع صمتهم على جرائم النظام بحق المدنيين لتصبح أزمتهم أيضاً. هناك نافذة للحل وسباق دبلوماسي محموم لاقتناص هذه الفرصة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفيما تتلاعب الدول الأخرى بمصير الشعب السوري انطلاقاً من مصالحها وخلافاتها البينية تقف المملكة مع كل الجهود الصادقة التي تسعى لإنهاء معاناة الشعب السوري، وهذا هو الموقف الثابت الذي لم ولن يتغير، أما توقيت رحيل الأسد فهي مسألة يحددها الشعب السوري وحده لا حلفاء النظام في موسكو وطهران.