لعل من أساسيات الاقتصاد هو البحث عن استثمارات غير مكلفة ذات عائد يتسم بثلاثة عوامل، وهي النمو والاستدامة والمردود السريع، وهو ما يجب أن تدركه الحكومة الموقرة في المرحلة التالية، مع انخفاض العائد الأساسي للدولة من النفط، وهناك الكثير من المشروعات المتميزة وغير المكلفة تجد لها رواجاً في العصر الحالي لم تكن موجودة في عصور سابقة، أو أنها تطورت عبر الأزمنة وظروف السوق والتقدم التكنولوجي في عصر العولمة. ومن أبرز تلك الاستثمارات هي مشروعات المعارض، والتي كانت في الزمن القديم تعرف بالأسواق التي يتجمع فيها الصناع والتجار لعرض منتجاتهم فتتميز مناطق تلك الأسواق وتزدهر المدن التي تحتويها، وتلك المعارض أو الأسواق لا تحتاج من الدولة سوى توفير مساحة أرضية مناسبة مع البنى التحتية للجذب المعارض، وإيجاد سبل منافسة لكي يرتحل إلى بلد المعرض كل من يريد ترويج بضاعته. ولقد كانت الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من أبرز دول المنطقة في اقتناص تلك الفرصة وعملت عليها بجد واقتدار، فالتقارير تؤكد أن نصف المساحة الكلية لقاعات المعارض الداخلية بدول مجلس التعاون متواجدة في دولة الإمارت الشقيقة، واستحوذت على أكثر من 50% من مجموع المعارض والمؤتمرات الدولية المقامة في المنطقة، واستطاعت مؤخراً أن تحصد تنظيم أكبر معرض في العالم يقام منذ العام 1851، وهو إكسبو الذي يعتبر أهم حدث دولي يجمع الشركات الدولية والمنظمات الاقتصادية على مدار 6 أشهر في مكان واحد ويترقبه كل أصحاب الشأن في أنحاء العالم، وستنظم الإمارات فعالياته في العام 2020، ولن أتحدث هنا عن المكاسب الاقتصادية وﻻ عن العوائد المالية الضخمة التي سوف تدخل ميزانية الدولة من هذا الحدث ﻻنها باتت معلومة للجميع. وللأسف الشديد تأتي البحرين في مؤخرة قائمة الدول التي لديها مساحات للعرض في مركز البحرين الدولي للمعارض الذي تبلغ مساحته حوالي 14 ألف متر مربع، وتليها الكويت بـ 31 ألف، ثم السعودية وعمان بمساحة متساوية 34 ألف، ثم قطر بمساحة 95 ألف والإمارات تأتي على رأس القائمة بمساحة وقدرها 187 ألف متر مربع. ومن المثير للانتباه أنه وبرغم المساحة الصغيرة لدينا منذ اكثر من 22 عاماً وهي عمر مركز البحرين للمعارض، إلا أن معدل المعارض والفعاليات في ازدياد بمتوسط نمو يفوق المتوسط العالمي، حيث ارتفع منذ 2006 بنسبة 133%، وبلغ إجمالي المساحات المؤجرة في 2012 حوالي 2.2 مليون متر مربع، تدر عائداً سنوياً بحوالي 80 مليون دينار، فما بال لو كانت لدينا مساحات أكبر وإمكانيات جذب جديدة وبنية تحتية متطورة، حيث يتوقع الخبراء أن يرتفع متوسط النمو للضعف وليصل العائد إلى 115 مليون دينار، هذا بدون احتساب العوائد غير المباشرة من تلك المعارض والتي تتمثل في إشغالات الفنادق والمطاعم والخدمات المصاحبة للفعاليات والدعاية واﻻعلان والتسويق وخلق فرص عمل مؤقتة ودائمة. نحن لدينا مشروع لمدينة معارض سمعنا عنه منذ سنوات وبين كل فينة وأخرى تتوارد أخبار عن قرب العمل في هذا المشروع الواعد، ونسمع منذ عهد وزير التجارة والصناعة السابق الدكتور حسن فخرو اطال الله في عمره، أن المدينة الجديدة سوف تكون من أهم المشاريع الاستراتيجية والحيوية لمملكة البحرين والمنبثقة من رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ثم أتى بعده الوزير الحالي اﻻخ العزيز زايد الزياني، وأعلن أن الوزارة تستعد لتحديد الموقع والتصاميم النهائية لمدينة المعارض الجديدة المزمع إنشاؤها في منطقة الصخير، فهل بقينا كل تلك السنوات الماضية في إصدار تصريحات وإشادات دون حتى التوصل لتحديد مكان المشروع، وعلى ماذا يبحثون أصلا، وهل أرض المشروع إبرة في كومة قش لا يستطيع أحد العثور عليها. المفترض في مثل تلك المشروعات التي نجحت في دول مجاورة لنا وتظهر المؤشرات أنها بالتأكيد ستنجح في بلدنا، أن يتحرك لها المسؤولون في الدولة بجدية وبأسرع ما يمكن، فربما يدون في سجل التاريخ أن المسؤول الفلاني هو من دشن المشروع الذي أسهم في دعم اقتصاد المملكة، لكن لا نعرف ما سبب التأخير حتى الآن عن العثور على مكان أرض مدينة المعارض.