×
محافظة المنطقة الشرقية

اعمال العنف في القدس تنعكس قلقا في قطاع السياحة

صورة الخبر

لا يختلف اثنان أن أهم معايير جودة العمل القضائي هي ما توافر له ركنان أساسيان يجتمعان كلاهما في شعار: (العدالة الناجزة) فالركن الأول هو (العدالة) والتي لا تكون إلا بأحكام قضائية ذات جودة نوعية تكفل حفظ الحقوق واستيعاب جوانب النزاع، والفصل فيها بحكم يتوافر فيه كل أركان الحكم القضائي السليم. والركن الثاني هو (الناجزة) بأن يكون إنجاز الحكم القضائي والفصل في الخصومة خلال فترة معقولة ليس فيها أوقات مهدرة، ولا تأخيرٌ يبقى معه صاحب الحق مضيعاً حقه، والمضرور مستمراً في احتمال الضرر. وكثيراً ما كان يتحدث ويؤكد أصحاب المعالي من القيادات القضائية السابقين في وزارة العدل وديوان المظالم أن من أهم أولوياتهم تحقيق هذه الغاية الأساسية للقضاء وهي (العدالة الناجزة) وذلك بجعلها واقعاً معاشاً في محاكمنا. إننا حين نتحدث عن القضاء، وعن وجود بعض الملحوظات السلبية التي قد تؤثر في جودته وحسن أدائه لوظيفته، فإن ذلك ليس بالأمر اليسير، لأنه يتعلق بحقوق الناس، ويمسّ شعيرة (العدل).. ومن يدرك هذه الحقيقة الكبرى لا يمكن أن يتهاون في الحديث عن هذه السلبيات أو يقلل من شأنها إلا أن من أهم العوائق دون تحقيق هذه الغاية الضرورية؛ كثرة تغيير وتنقلات القضاة، وتعاقب عدد منهم على القضية الواحدة، حتى كلما سار فيها قاض وبدأ يستوعب وقائعها واقترب من فهمها والحكم فيها، تم نقله واستبداله بقاض آخر يبدأ هذه القضية من جديد، ويستغرق من الوقت لفهمها وتصورها مثل أو أطول من الوقت الذي استغرقه القاضي السابق، وهكذا تستمر هذه العملية دون أن تقف عند حدّ معقول، حتى تستغرق الدعوى اليسيرة من الوقت أضعاف ما تستحقه، وتبقى مئات الدعاوى كالمعلقة تراوح مكانها، أو قد تعود إلى الوراء خطوات كلما قطعت في السير للأمام خطوة واحدة. ولا يقف تأثير كثرة تغيير وتنقلات القضاة عند حدّ تعطيل الإنجاز وتأخير إصدار الأحكام؛ بل يتجاوز ذلك إلى إحداث خلخلة في القضية ووقوعها في حالة من الارتباك الذي يظهر جلياً في الأحكام القضائية عند صدورها، فلا يكاد يخفى على من يطلع على الحكم القضائي ما فيه من اختلال وارتباك في الإجراءات وكثرة أسماء القضاة الذين باشروا القضية قبل صدور الحكم الابتدائي فيها. وإذا كانت هذه المشكلة موجودة في كل المحاكم سواء التابعة لوزارة العدل أو لديوان المظالم؛ إلا أنها في ديوان المظالم أكثر وضوحاً، لكثرة ما تعرضت له الدوائر القضائية من تشكيلات في السنوات الأخيرة. ويكفي لمعرفة حجم المشكلة مطالعة قرارات مجلس القضاء الإداري في ديوان المظالم خلال مدة سنتين سابقتين فقط، لندرك كيف أن قرارات تشكيل الدوائر القضائية داخل الديوان أصبحت أمراً معتاداً ومتكرراً بشكل لافت للنظر، كل بضعة أشهر. حتى إن بعض الدوائر القضائية تم تغيير تشكيلها خلال سنة واحدة أكثر من ثلاث أو أربع مرات، وفي كثير من الأحيان يتم تأجيل إصدار الحكم في القضايا التي كانت منتهية ومعدة للحكم فيها، بسبب تغيير تشكيل الدائرة، ويتكرر ذلك أكثر من مرة في القضية الواحدة، حتى وصل إلى حدّ التضجر والانزعاج الكبير عند أطراف القضايا – سيما المتضرر منهم من هذا التعطيل-. وهذه التغييرات والتنقلات قد يكون بعضها مبرراً في المرحلة الراهنة بسبب ما يشهده القضاء من كثرة تعيين القضاة وافتتاح فروع لمحاكم الاستئناف وترقيات القضاة إليها؛ إلا أن جزءاً كبيراً أيضاً من هذه التغييرات – وهي ما لم يكن بسبب نقل القاضي أو ترقيته - كان بالإمكان الاستغناء عنه والتريث فيه والتنازل عما يمكن أن يكون فيه من إيجابية يسيرة لا تقارن بالسلبيات الكبيرة المزعجة المتمثلة في تعطيل القضايا وتشتيت نظرها، وتدني مستوى إنجازها كماً وكيفا. وعلى مدى سنتين فقط، صدر عشرات القرارات لندب أعداد كبيرة من القضاة إلى محاكم غير التي تم تعيينهم فيها، وتكون مدد الندب قصيرة لا تحقق الاستقرار للقاضي ولا للدائرة القضائية. ولا شك أن من يطلع على حجم هذه القرارات ويقارن أعداد القضاة الذين شملتهم بعدد قضاة المحكمة يدرك أنه سيكون لها ولا شك أبلغ التأثير على نظر القضايا وإنجازها. وإذا كانت كثرة تشكيلات الدوائر القضائية – بشكل عام - مما يؤثر سلباً في إنجاز القضايا (كماً وكيفا)؛ إلا أن لهذه المشكلة جوانب ضرر أخرى هي: أولاً: أن جزءاً من هذه التشكيلات المتضمنة لقرارات الندب أو التكليف بأعمال إدارية أو برئاسة الدوائر، إنما يخضع لمعايير أقرب ما تكون شخصية منها لمعايير موضوعية، ذلك أنها تنطلق غالباً من منطلقات رؤية الرئاسة أو المجلس لهذا القاضي أو ذاك وتقييمهم له، وهذا ما تختلف فيه الرؤى والاجتهادات الشخصية، ومن الطبيعي أن يتغير بتغيير أشخاص الرؤساء، ومدى رضاهم عن القاضي الذي طاله قرار التكليف أو الندب، ومن الضروري لمصلحة القضاء أن يتم ضبط هذه المعايير وتعديلها إلى معايير واضحة موضوعية يتم تقييمها بكل شفافية، وإعلانها على القضاة ليعرف كل قاض موقعه منها، وجوانب التميز أو الضعف لديه. ثانياً: من سلبيات قرارات تشكيل الدوائر – سيما في محاكم الاستئناف – عدم الربط بين تشكيل القاضي في إحدى الدوائر وبين خبرته القضائية السابقة، فيجري تشكيل قاض كانت خبرته طيلة عشرين سنة أو أكثر في القضاء التجاري ليصبح في دائرة إدارية، وقاض آخر تكاد تكون كل خبرته في القضاء الجزائي مثلاً يصبح قاضي استئناف في القضاء الإداري أو التجاري وهكذا، ولا يخفى أن عدم الربط بين الخبرة السابقة وبين التكليف الحالي سيرتب وبلا شك أثراً سلبياً على نوعية وجودة العمل القضائي، فاحترام التخصص من أهم أسباب التميز والإنجاز في سائر الأعمال وعلى رأسها وأخطرها القضاء. ثالثاً: أن من أهم العوامل لمصلحة العمل القضائي، وتوفير بيئة العمل الأنسب للقضاة، تحقيق التوافق والانسجام بين أعضاء الدائرة القضائية الواحدة، وهو ما يثمر تعاونهم فيما بينهم، وقدرتهم على التواصل في التفكير والأسلوب بما يحقق مصلحة الحكم القضائي الذي يجب أن يسبقه مرحلة التداول بين القضاة وهي المرحلة التي يظهر فيها أثر انسجامهم وتفاهمهم وتعاونهم، وكل هذه الجوانب يتعذر تحقيقها مع كثرة تشكيل الدوائر، التي يصبح معها القضاة غرباء على بعض، لا يتسنى لبعضهم معرفة الآخر حتى يتم نقله. وختاماً أسأل الله أن يوفق قيادات قضائنا لإبراء ذممهم وذمة ولي الأمر الذي قلّدهم هذه الأمانة العظيمة، وأن يبسط العدل على ربوع وطننا العزيز.. والحمد لله أولاً وآخرا. * محام وقاض سابق في ديوان المظالم لمراسلة الكاتب: maljathlani@alriyadh.net