يسجل لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو غزارة بياناتها حول الانتهاكات والاعتداءات التي تتعرض لها مواقع أثرية ومقدسات ومعالم تاريخية في مناطق الصراعات والحروب، ولكن ما يؤخذ على هذه المنظمة أن بياناتها ليست سوى تسجيل لمواقف تتداولها وكالات الأنباء، أما مسرح الاعتداء فيظل على حاله حتى يطويه النسيان. مؤخراً أضافت اليونسكو بياناً جديداً يضاف إلى مئات البيانات الجوفاء السابقة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة عندما استنكرت، بطلب من الأردن، الاقتحامات المستمرة من المتطرفين الصهاينة للمسجد الأقصى بالتوازي مع الحفريات داخل البلدة القديمة للقدس، كما عرج البيان على الإجراءات المعرقلة لحركة الفلسطينيين، من دون أن يغفل الدعوة إلى إرسال بعثة للرصد التفاعلي لمراقبة الأوضاع. ومن الثابت أن حكومة التطرف في كيان الاحتلال لن تسمع مثل هذه البيانات وستواصل ما بدأته وهي تعرف أنها محمية ومحصنة من الملاحقة الدولية ولن تتعرض للعقوبات أو المساءلة من طرف أي من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بالتحديد. شعور الصهاينة بأنهم فوق قوانين الملاحقة، هو نفس الشعور الذي يعتري الجماعات الإرهابية المختلفة المنتشرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان ومالي. ولو يتم إحصاء ما فقدته الإنسانية من تراث تاريخي في السنوات العشر الأخيرة لفاق ما فقدته البشرية في مئات السنين بما فيها من حروب عالمية وإقليمية. ومن آخر الوقائع تدمير تنظيم داعش الإرهابي قوس النصر الأثري، الذي نجا من بطش الإنسان والطبيعة لأكثر من ألفي عام، ولقي ذلك المصير على غرار عدد من المعابد والمعالم في الحسكة والموصل وسامراء وبغداد والقائمة مفتوحة. وفي كل حادثة لا تتأخر اليونسكو ومنظمات الأمم المتحدة مجتمعة عن التنديد والدعوات إلى التحرك الدولي. وقد يجوز التساؤل عن فاعلية تلك البيانات، مع التسليم سلفا بأنها كانت بمثابة التأبين لتلك الآثار المفقودة إلى الأبد، وهو ما يتكرر في كل مناسبة. عند بسط القضية للتحليل بحثاً عن تحديد المسؤوليات، لا يمكن أن تلام اليونسكو أو تعتبر مقصرة في واجبها، فأقصى ما تفعله عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، أما من يتحرك فعلياً لإنقاذ الآثار والمقدسات هي الدول الكبرى سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، ومثلما هناك دول تحمي الكيان الصهيوني، هناك دول أخرى تحمي الجماعات الإرهابية ولا ترى غضاضة في ما تفعله من نهب وتدمير، فقد تم تخريب المتحف الوطني العراقي وعدد من المواقع ونهبت آثار نفيسة تحت حراسة الدبابات الأمريكية عندما احتلت بغداد عام 2003، وكم مرة تكررت هذه الحوادث ووجهت رسائل مناشدة للقوى العظمى بضرورة التحرك العسكري والقانوني لحماية التراث الإنساني، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، لأن الدول التي يفترض أن تحافظ على الأمن والسلم غير معنية بقيمة آثار القدس الشريف وتدمر والموصل وبغداد، وهي لا ترى غضاضة في نسفها طالما أنها بعيدة عن حدودها وربما تخدم تلك الجرائم مصالحها الحيوية. هناك منظمات حقوقية عبر العالم تعمل على تصنيف تدمير الآثار كجرائم حرب سيلاحق مرتكبوها إلى المحاكم الدولية، وهو ما حصل مع أحد المتهمين من المتمردين في مالي، وحتى هذه الخطوة ليست ذات جدوى، فالآثار التي يجري تدميرها لا يمكن تعويضها أبداً ومسؤولية ضياعها يتحملها المجتمع الدولي كله لا الجماعات الإرهابية وكيانات التطرف وحدها. chouaibmeftah@gmail.com